النمو خارج حدود الخطة

21:35 مساء
قراءة 3 دقائق

د. عبد العظيم حنفي *

كانت هناك لقطة لحالة التفكير في الاقتصادات الجادة في عشية تحولها. وقد أخذت تلك اللقطة بطبيعة الحال، في الاجتماعات التي عقدت في دالاس الأمريكية في شهر ديسمبر 1984. وهذه اللقطة هي عبارة عن كتاب صغير تم إنتاجه من حلقة دراسية بعنوان «تاريخ الاقتصاد والاقتصادي الحديث». هذا الكتاب هو عبارة عن صورة ذاتية للمجموعة توضح المكان الذي يقف فيه أفضل رجال الاقتصاد من «أعظم جيل» والذين كانوا على مشارف الوصول لغاية حياتهم المهنية عندما اجتمعوا في قاعة الاجتماعات في فندق «هيلتون دالاس» ليتناقشوا في علاقة النظرية الاقتصادية بالتاريخ.

تم صنع كثير من صفحات التاريخ في العالم في شتاء عام 1984. ولم تعد الأخبار الهامة تدور حول الدبابيس ومؤسسة ودجوود للخزف الصيني أو السكك الحديدية. فقد قامت شركة «أبل بتسويق الحاسوب الشخصي وحولته IBM إلى واحد من مقتنيات القطاع العائلي. وغيرها من الإنجازات، كما كانت هناك أيضاً ثورة سياسية في الطريق، حيث كانت الصين مشغولة بتنفيذ برنامجها الاقتصادي الذي أطلقت عليه اسم «النمو خارج حدود الخطة»، في مقاطعة جانجدونج، وكانت بذلك تسير على خطى جارتها هونج كونج في الانضمام للاقتصاد العالمي. وتمت إعادة انتخاب رونالد ريجان رئيساً للولايات المتحدة. والحرب الباردة كانت ستدخل في مرحلتها المناخية. حيث كانت هناك مخاوف من الدخول في الحرب في أعلى مستويات الحكومة. وفي لندن تم توجيه عملاء جهاز المخابرات السوفييتي لتعقب السعر الفوري الذي تعرضه بنوك الدم من قبل المسؤولين الذين رأوا أن الارتفاع الكبير في أسعار الدم يشير إلى أن الغرب يستعد للقيام بهجوم مفاجئ. وكان البنك المركزي الأمريكي في خضم معركة ملحمية للعام الخامس على التوالي ضد التضخم العالمي. وتفاقمت أزمة ديون العالم الثالث.

لم يكن الرجال الموقرون الذين اجتمعوا في «دالاس» غير مهتمين بالأحداث الجارية ولكنهم لم يأتوا إلى هذا الاجتماع ليقوموا بمناقشتها – حيث كان ما يشغلهم أساساً هو السلطات الاقتصادية والتعامل معها على أنها علم قائم بذاته. كان هناك كثير من دارسي النمو والتنمية من الجيلين في هذا الاجتماع. كما حضر الاجتماع صناع البرنامج الحديث في النمو الاقتصادي، إلى جانب عدد كبير من الذين ظنوا أنهم قاموا بتغيير استراتيجياتهم تأثراً بهم. كان على رأس هذه المحاضرة «أرثر لويس» من جامعة برينستون الحاصل على جائزة نوبل، وهو مؤلف نموذج التنمية الاقتصادي ذي الأثر الكبير، و كان من بين المحاورين زملاؤه المرشحون لجائزة نوبل ولكن لم يحصلوا عليها بعد: «كينيث أرو» (حصل عليها في عام 1972) و«روبرت سولو» (حصل عليها عام 1987) ممثلان عن النظرية. و«بول دافيد» و«بيتر تيمين» متحدثان عن التاريخ. و«دونالد مككلوسكى» (والذي عرف لاحقاً بDeirder) و«جفين رايت» و«تشالز كيندلبيرجير» وهو أحد الاقتصاديين البارزين في اقتصاديات النمو. وقد بدأ «ويليم باركر» من جامعة «يال» والذي قام بتنظيم الدورة، حديثه باستنكار الاتجاه الرياضي الذي اتخذه الاقتصاد. وكعميد للمؤرخين الاقتصاديين الأمريكيين، قام برثاء نوع الاقتصاد التاريخي الذي انتعش في إنجلترا وألمانيا والارتفاع الذي صاحب ذلك في هيمنة النظرية الرسمية والاقتصاد القياسي من الولايات المتحدة بشكل أساسي. فقد تم تجاهل القيم التي كانت موجودة سابقاً في الأذهان – مثل معرفة المؤسسات، والمفاهيم الاجتماعية. والحماس المعنوي – على حد قوله. ولن يمر وقت طويل حتى يتم تجاهل الاقتصاديين كلية، «وتركهم يجدفون في زورق حول مياه الرياضيات الراكدة والباردة» وسوف تفوتهم الحياة الحقيقية بكل ما فيها من حماس واضطرابات ونضارة وقوة.

* أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"