على حافة الهاوية

00:20 صباحا
قراءة 3 دقائق

نبيل سالم

هل يستفيق العالم يوماً على كارثة نووية حقيقية، تطيح كل ما أنجزته البشرية من حضارات على مر السنين؟

 هذا سؤال مقلق واجه البشرية أكثر من مرة، بعد تلك الكارثة الإنسانية الكبيرة التي خلّفتها جريمة إلقاء قنبلتين نوويتين أمريكيتين على مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين في أواخر الحرب العالمية الثانية.

يومها قُتل 120 ألف شخص فقط في اللحظات الأولى معظمهم من المدنيين، ناهيك عن موت ما يزيد على ضعف هذا العدد فيما بعد، خلال سنوات نتيجة التسمم الإشعاعي.

 في ذلك الوقت، وأمام انتقادات العالم وصدمته الكبيرة، حاولت الماكينة الإعلامية الأمريكية تبرير هذه الجريمة، زاعمة أنها كانت أفضل طريقة لتجنب أعداد أكبر من القتلى إن استمرت الحرب العالمية الثانية فترة أطول.

 وعلى الرغم من هشاشة التبرير الأمريكي، واستخفافه بكل القيم الإنسانية والأخلاقية، فإن الدول الكبرى، راحت تتسابق على حيازة السلاح النووي، بحجة أنه سلاح رادع، وأن وجوده قد يشكل ضمانة لعدم اندلاع حرب كونية جديدة، وحذت العديد من دول العالم أيضاً حذو الدول الكبرى، للانضمام إلى نادي الدول النووية، تحت ذريعة أن السلاح النووي قد يشكل الضمانة لأمن وسلامة الدول التي تمتلكه.

 ومع أن التهديد النووي استعمل في أكثر من مناسبة بعد الحرب العالمية الثانية، إلا أن الحقيقة المُرة؛ هي أن السلاح النووي بات فيما بعد سيفاً مسلطاً على رقاب الشعوب المستضعفة، التي ظل الموت يحصد ملايين الضحايا منها في ظل فزاعة السلاح النووي؛ حيث قتلت الدول الاستعمارية الملايين من البشر، ودمرت العشرات من الدول، في ظل رعب العالم من شبح ذلك القاتل الرهيب.

 كما أن الدول الكبرى ولا سيما الاستعمارية منها وعلى رأسها الولايات المتحدة، باتت مطلقة اليدين في جرائمها بحق الشعوب المستضعفة، والتي يُحرّم عليها امتلاك ذلك السلاح، ما جعلها عرضة للتخويف والتدمير في أكثر من مناسبة.

 فعلى الرغم من انتهاء الحرب العالمية الثانية، فإن الولايات المتحدة استمرت في تطوير قدراتها النووية، لكن المفاجأة كانت بتفجير تجريبي لقنبلة نووية، قام بها الاتحاد السوفييتي السابق في 29 أغسطس/ آب 1949، لتكّر بعدها السبحة بتفجيرات نووية في دول غربية أخرى، وتفتح الباب أمام التسلح النووي في العالم، ولا سيما في حقبة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والغرب من جهة، والكتلة الاشتراكية التي كان يتزعمها الاتحاد السوفييتي آنذاك من جهة أخرى.

 وخلال تلك الفترة أطل شبح الحرب النووية أكثر من مرة برأسه على العالم، ولا سيما أزمة الصواريخ الكوبية ما بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق في أكتوبر/ تشرين الأول 1962 التي كادت أن تؤدي إلى قيام حرب نووية.

 وفي هذه الأيام يطل شبح الحرب النووية برأسه من جديد، ولكن هذه المرة من أوكرانيا، من خلال أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لقيادته العسكرية بوضع قوات الردع الروسية  في إشارة إلى الوحدات التي تضم أسلحة نووية  في حالة تأهب قصوى، بسبب التصريحات العدائية لزعماء حلف شمال الأطلسي (الناتو) والعقوبات الاقتصادية ضد موسكو، ما قد يدفع بالأزمة الأوكرانية إلى حافة الهاوية، بسبب تعنت الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة، وسياسة العداء المكشوف التي يتبعها ضد روسيا، وتجاهله للمصالح الأمنية والجيوسياسية لروسيا.

 ولعل من المهم التذكير هنا هو أنه على الرغم من تقديرات البعض بأن السلاح النووي أمر مستبعد، وأن الردع النووي ربما يمنع وقوع حرب عالمية ثالثة، فإنه من المؤسف أن الحروب التي تشعلها الاستخبارات الغربية الاستعمارية في العالم، قتلت وتقتل أضعاف ما قتلته قنبلتا هيروشيما وناغازاكي، وأن الفارق الوحيد بين الحالتين هو أن الشعوب المستضعفة باتت تُقتل بالتقسيط فقط، فهل ينتبه العالم إلى مخاطر الحروب قبل أن يستفيق على كارثة نووية حقيقية قد تقع على الرغم من كل المخاوف التي تسكن عقول الناس جميعاً.

أخيراً لابد من القول.. إن السلام في العالم لا يضمنه الردع النووي، كما يعتقد البعض، وإنما تخلي الدول الاستعمارية عن أطماعها التي لا تنتهي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"