تأثير رواد الأعمال

21:16 مساء
قراءة 3 دقائق

د. عبدالعظيم حنفي*
تركز دراسات اقتصادية في مجال تسجيل المشاريع الريادية على تعبير «رسمي» في متطلبات تسجيل المشاريع؛ لأن ريادية الأعمال حية نشطة في بعض الاقتصادات النامية ولكن بشكل غير رسمي أو دون كل الموافقات الرسمية اللازمة؛ وذلك لأن العمليات الرسمية تستهلك الكثير من الوقت والمال.
وقد قام هرناندو دي سوتو في أواسط الثمانينات بتوثيق مشكلة المشاريع في بيرو وذلك في كتابه الأول (الطريق الآخر) عام 1989، فقد حاول دي سوتو وزملاؤه في معهده بليما أن يؤسسوا أحد المشاريع، فسعوا إلى الحصول على الموافقات اللازمة ليكتشفوا أن الحصول عليها استنفد منهم قرابة ثلاثمئة يوم وذلك مع دفع الرشاوى للمسؤولين في كل المراحل.
وكان دي سوتو قد دُعي وزملاؤه إلى بلدان نامية أخرى، قبل تأليف الكتاب، وبعد تأليفه ليكتشفوا وجود فترات انتظار مماثلة أو أطول مصحوبة بالفساد أيضاً.
ويذهب دي سوتو إلى أن ارتفاع تكلفة «اتباع السبيل الرسمي»، وطول الفترة التي يستغرقها ذلك، يجعل من المنطقي أن يلجأ ملاك العقارات ورواد الأعمال إلى إجداء أعمالهم دون الحصول على الموافقات، فيختارون بذلك السبيل «غير الرسمي». وعلى الرغم من أن الطريق غير الرسمي قد يبدو منطقياً لمن يختارونه، فإن كثرة عدد من يختارون هذا السبيل يؤدي إلى معاناة الاقتصاد ككل. وذلك أن المؤسسات غير الرسمية يتعين عليها أن تمارس نشاطها على نطاق ضيق حتى تتحاشي انتباه السلطات لها (خاصة وأنها لا تدفع ضرائب). ولكونها غير رسمية لا تخضع أي ممتلكات قد تكون تحت يدها لتسجيل رسمي، لا يستطيع رواد الأعمال غير الرسميين الحصول على أي قروض مصرفية رسمية؛ لأنهم لا يحوزون أي ممتلكات معترف بها قانونا يمكن تقديمها ضمانا للقروض، ونتيجة لذلك تقتصر إمكانيات توسع أعمالهم على ما يجنون من دخل يمكن ادخاره أو ما يحصلون عليه من دعم الأهل والأصدقاء (وهو دعم هزيل في أغلب الأحيان) لأنهم غالبا ما يكونون على شاكلتهم من قلة الموارد والاعتماد على النشاط غير الرسمي). أو ما قد يستطيعون اقتراضه من مقرضين غير رسميين (السوق الموازية)، وقد أبرز دي سوتو في كتابه الثاني (سر رأس المال)، الصادر عام 2000 تلك النقطة. حيث قدر فيه قيمة الممتلكات التي لا يمكن استخدامها لتمويل الاستثمار والنمو- كونها «رأس مال ميت» ناجماً عن غياب تسجيل عقود ملكية لممتلكات «مملوكة» بشكل غير رسمي (مبان في الأساس)- بأكثر من 9 تريليونات دولار في جميع أنحاء العالم في تلك الفترة، والمجتمعات التي تعاني وجود قطاع غير رسمي كبير هي أشبه بمحركات لم يضخ فيها الزيت الكافي، فهي تعمل بكفاءة أقل بكثير من قدرتها الكاملة، وعلى ارتفاع الفاقد وعدم الكفاءة.
لقد لقيت أعمال دي سوتو بعض التشكيك، فقد شكك البعض في أساليبه الإحصائية، بينما تساءل البعض عما اذا كان النشاط غير الرسمي مكلفاً للاقتصادات بالفعل بالصورة التي يطرحها دي سوتو، في حين اعترض آخرون على «البلسم الضمني» الذي تشي بها أعمال دي سوتو – تحديداً: لو تم تسجيل الأعمال والممتلكات بالشكل المناسب سوف تنمو الدول الفقيرة فجأة، بوتيرة أسرع بكثير.
لكن ترى بعض الآراء أنه حتى ولو كانت حجة دي سوتو مبالغاً فيها، فقد أصابت الهدف، بل وأصبحت- على نحو ما – الحكمة التقليدية (وهو موقف عادة ما تكتنف من يتبناه المخاطر) في دوائر السياسة الدولية، ففي عام 2004 شكلت الأمم المتحدة لجنة للنظر في ريادية الأعمال في الدول النامية،  وعينت فيها دي سوتو، اعترافاً منها – بلا شك بأهمية أعماله.
أضاف البنك الدولي إلى قائمة البيانات متغيرات أخرى من أهمها تكلفة توظيف العمالة وفصلها
حيث قام البنك الدولي بتقديم بيانات حول أفضل البلدان أداء وأسوأها من حيث تكاليف تسجيل المشاريع، وتسجيل الملكيات، وسهولة تعيين العاملين وسهولة فصلهم وقد اهتمت الدراسات الاقتصادية بتكاليف تعيين الموظفين وفصلهم، ليس لتأثيرهما على سهولة إنشاء الأعمال (رغم انهما قد يؤثران) ولكن لأنه يعتقد أنهما يؤثران في معدلات نمو الأعمال بعد إنشائها.
واعتمدت بيانات البنك الدولي على تقارير تستند إلى تحليلات مكثفة للقوانين واللوائح المحلية، بالإضافة إلى استطلاع أجري على آلاف من المسؤولين الحكوميين المحليين، ورجال قانون، ومستشارين وغيرهم .
* أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"