سياسات الاقتصاد الجديد للمعرفة

22:36 مساء
قراءة 3 دقائق

عبدالعظيم حنفي*

أثبت أحد النماذج الاقتصادية أن فتح الأسواق أمام المعرفة الجديدة، سيجعل سياسات التجارة لا تؤثر على الرفاهة فقط (كما قيل دائماً) ولكن أيضاً على معدل النمو نفسه. فقد كانت اقتصاديات صنع الأفكار شديدة الاختلاف عن اقتصاديات صنع الأشياء الأخرى؛ لأن الأفكار بداية من الملكية ووصولاً للبحث الأساسي، يمكن أن تنسخ بدون تكلفة وتستخدم من قبل أي عدد من الأفراد في نفس الوقت. ولذلك كانت الابتكارات – «مجموعات التعليمات» الجديدة والمتنوعة التي نبعت عن رياديّي الأعمال الذين وضعوها قيد التنفيذ – تمثل مفتاحاً للنمو. وأن وجود الحقوق ارتبط بالملكية الفكرية – والأهم من ذلك أنه ارتبط بأسرار التجارة والمعرفة العامة – مما يعني أن للمنافسة الاحتكارية وجوداً في جميع أرجاء الاقتصاد، وفي وضع الأسعار. وتمّ التعامل مع المنافسة الاحتكارية على أنها من المسلمات، ولم يعد من الممكن أن يتم فهم مزايا التغيير التقني على أنها حالة من حالات «فشل السوق». فقد كانت هذه المزايا جزءاً من قواعد اللعبة، التي يفترض أنها ناتجة عن مزايا التصنيع أو التسويق التي يمكن الاحتفاظ بها سراً لبعض الوقت، أو التي يمكن حمايتها عن طريق براءة اختراع أو علامة تجارية؛ حيث يستطيع الصانع أن يحتفظ بأسعار المبيعات عند مستوى أعلى من التكلفة الحدية، على الأقل لبعض الوقت، وبذلك يستطيع أن يحقق مكاسب تعوض استثماراته في المعرفة الحديثة. وسيصبح تزايد العوائد هو القاعدة، في كثير من المواقف. إن لم يكن معظمها.

وفضلاً عن ذلك، فإن الحق الخاص ب «نسخ» المعرفة – وهو الحق الذي يسمح بإمكانية استخدامها من قبل نفس الشخص مرة بعد مرة، أو من قبل أي عدد من الأفراد في نفس الوقت – لم يكن حقيقة مزعجة يمكن استبعادها ببساطة عن طريق تقييم حق الملكية. فحقوق الملكية كانت الحل النمطي لمعظم المشاكل. وذلك وفقاً لآراء معظم اقتصاديّي شيكاغو. وفي الواقع، فإن الملكية الفكرية كانت موجودة في كل مكان ومتنوعة مثلها مثل الأعراف والقوانين. التي نمت عبر القرون، من أجل التعامل معها.

ولكن من الذي يستطيع أن يحدد على وجه اليقين ما يخضع للملكية وما لا يخضع لها؟ من سيعطي «نيوتن» أو «ليبينتز» Leibniz براءة اختراع على علم التفاضل، أو يمنح «دافيد هو» David Ho حق ملكية توليفة علاج مرض الأيدز التي اخترعها. أو يمنح «ويليام كيلوج» William Kellogg علامة تجارية تسمح له وحده دون غيره أن يصنع حبوب الإفطار من الذرة؟ ما هو مدى الاتساع الذي يجب أن تغطيه هذه الحماية؟ إلى متى يجب أن يستمر هذا النوع من الاحتكار الذي تقره الدولة؟ ما هي المؤسسات البديلة التي يمكن أن تبدأ العمل، وتقوم بتعليم قوة العمل، وإنتاج معرفة حديثة، ومن ثم نشرها؟. كانت هذه الأسئلة ضمن أهم الأسئلة الخاصة بسياسات الاقتصاد الجديد للمعرفة. ولكن لم تكن هناك إجابات محددة عليها. كانت الإجابة تتطلب القيام بعمل الخيارات الاجتماعية. كما كانت تتطلب سياسة، تماماً كما يتطلب عمل البنك المركزي وجود سياسة نقدية، وكما يتطلب التثبيت وجود سياسة مالية عامة.

لقد كتب «فريدريش هايك» عام 1945 حول «استخدام المعرفة في المجتمع»، ووُضعت بعض من أكثر الملاحظات المختارة في الستينيات على يد الاقتصادي «سيمون كزنيتس». وكتب المستشارون كثيراً من الكتب عن المعرفة وإدارة المعرفة في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي. بداية من بيتر دراكر. كما أسهم العلماء ببعض الاختزالات التي لا تنسى. التي شملت التفريق بين «الذرة والجزيئات» «إضافة إلى ملاحظة» ستيوارت براند «المتعلقة بأن المعلومات بحاجة لأن تصبح حرة، كما تريد المعلومات أيضاً أن تصبح باهظة الثمن. وهذا يشير إلى أن إنتاج المعلومات يتطلب إنفاق أموال طائلة. إن الأفكار التي يتم التشارك فيها على نطاق واسع هي «الأحكام المتعلقة بأي من الاتفاقيات العالمية التي يمكنك الحصول عليها» «وفقاً لعبارة الفيلسوف» نورمان كامبيل، هي تلك التي أصبحت علماً، وفي هذه الحالة، أصبحت من الاقتصاد.

يرتبط التقدم الاقتصادي في مجتمع رأسمالي بالاضطراب. وفي ظل هذا الاضطراب تعمل المنافسة بأسلوب مختلف تماماً عن الطريقة التي تعمل بها، في ظل الأوضاع الثابتة التي تفرض المنافسة الكاملة. حيث تتجسد احتمالات حصاد المكاسب عن طريق إنتاج أشياء جديدة، أو عن طريق إنتاج أشياء قديمة بأسعار أقل. وتتجسد تلك الاحتمالات بشكل مستمر، داعية إلى مزيد من الاستثمارات الجديدة.

* أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"