تعقيدات المشهد العراقي

00:19 صباحا
قراءة دقيقتين

يونس السيد

لم يكن انسحاب نواب وممثلي التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر من البرلمان والمؤسسات العراقية الأخرى، مجرد انسحاب عادي أو عابر، بقدر ما كان انسحاباً ظل حاضراً في صلب المشهد العراقي، الذي بدلاً من أن يخطو خطوة إلى الأمام، تراجع خطوات إلى الخلف، ليزداد تعقيداً فوق تعقيداته القائمة. 

 يحسب للتيار الصدري أنه أخذ بانسحابه صك براءته من التعطيل المتواصل لاستكمال استحقاقي الحكومة ورئاسة الجمهورية منذ انتخابات أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ووضع القوى السياسية أمام مسؤولياتها، علاوة على أنه عرى ادعاءات القوى السياسية واتهاماتها له بالعرقلة والتعطيل، بسبب إصراره على تشكيل حكومة أغلبية، ورفضه لأية شراكة مع القوى التي يعدها فاسدة، وبالتالي فإن خروجه من الواجهة وهو الذي حصل على أكبر تمثيل برلماني في العراق، وتضحيته بكل نوابه في البرلمان، لم يكن في الحقيقة سوى مقدمة لدخوله من أوسع الأبواب في المشهد السياسي وإن بطريقة مغايرة، وبمعنى أصح فقد ثبت أنه لا يمكن تجاوزه أو عزله عن العملية السياسية، أو حتى استمرار هذه العملية بمعزل عنه. 

 ما هو واضح حتى الآن، أن القوى التي اعتقدت أن الموازين الداخلية قد تحولت لمصلحتها، وأن الساحة أصبحت خالية تماماً لها، لم تقدم أي خيارات بديلة، ولم تتقدم في العملية السياسية خطوة واحدة، بل على العكس، فقد اندلعت الخلافات فيما بينها، خصوصاً داخل قوى «الإطار التنسيقي»، بينما استمرت الخلافات التي كانت أصلاً قائمة داخل البيت الكردي قبل انسحاب التيار الصدري، وبالتالي فإن المشهد العراقي ذهب نحو المزيد من التعقيد. 

 اللافت أنه منذ انسحاب التيار الصدري، لم تشهد البلاد أية بوادر لانفراجة سياسية، خلافاً لما يدعيه البعض، للتغطية على الصراعات الدائرة بين قوى «الإطار التنسيقي» وتحالفاتها. وفي النهاية لا يمكن حجب الحقائق التي تشير إلى تعمق الخلافات بين أقطاب قوى «الإطار» والتي وصلت إلى حد انسحاب هادي العامري، زعيم تحالف «الفتح»، من المشاركة في الحكومة المقبلة، وقد كان أحد المرشحين لمنصب رئاسة الوزراء، فيما البيت الكردي لم يتفق حتى الآن على مرشح واحد لرئاسة الجمهورية. ومن المرجح أن يتواصل إصرار الحزبين الكبيرين على تقديم مرشحين لرئاسة الجمهورية، في وقت يستمر الشلل السياسي، ويستمر معه تعطيل مؤسسات الدولة وسط تفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية، في ظل تزايد الاحتقان الشعبي وعودة العراقيين للخروج إلى التظاهر للمطالبة بتوفير الخدمات، ومن ضمنها المياه النظيفة والكهرباء، وهي من أبسط مقومات الحياة، وتوظيف العاطلين عن العمل، ناهيك عن المطالبة بمحاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين، وهي بعض مطالب الحراك الشعبي الذي اندلع في أكتوبر/تشرين الأول 2019، والذي تشير الدلائل إلى أنه عائد بقوة إذا بقي المشهد العراقي على حاله.

 يبدو أن انكفاء التيار الصدري عن العملية السياسية قد عقد المشهد العراقي، الذي لن يستقيم بدوره إلا بإعادة النظر في مجمل هذه العملية التي أوصلت العراق إلى ما وصل إليه، فيما يدفع الشعب العراقي ثمن كل هذا البؤس السياسي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"