النظام شرق الأوسطي والمستقبل

00:06 صباحا
قراءة 3 دقائق

حسام ميرو

أدت الحسابات الأمريكية الخاطئة، منذ الولاية الثانية للرئيس الأسبق باراك أوباما، إلى زيادة منسوب الأزمات في الشرق الأوسط، خصوصاً أزمة علاقات القوة، وارتكب الرئيس أوباما خطأ مضراً بمصالح الأمن القومي لبلاده، حين اعتقد أن إدارة الظهر للتحالفات الاستراتيجية الاقتصادية والسياسية بين بلاده والمملكة السعودية هو أمر بلا أي مخاطر جدية، مفضلاً بذلك المضي قدماً في تسريع وتيرة التوقيع على الاتفاق النووي مع إيران، لإحراز ما يعتبره نصراً تاريخياً لواشنطن من جهة، ونصراً شخصياً يحسب له، لكن هذه القراءة، تبدو قياساً لتطورات الساحتين الإقليمية والدولية، قراءة تجريبية، وغير رصينة، ولم تأخذ بالحسبان جملة المخاطر التي قد تترتب عنها، خصوصاً بالنسبة لواشنطن.

 الرئيس الحالي جو بايدن، أطلق خلال حملته الانتخابية شعارات لا تتناسب مع طبيعة العلاقات التاريخية مع المملكة السعودية، لكنه عاد مؤخراً، وفي مقال له في «الواشنطن بوست»، حمل عنواناً واضحاً ومباشراً «سبب زيارتي إلى السعودية»، للتأكيد على أهمية العلاقات بين واشنطن والرياض، مستعرضاً جملة من المصالح الحيوية، خصوصاً تلك المتعلقة ب«الطاقة وأمن الممرات البحرية، وضرورتها للتجارة العالمية»، واستبق المقال زيارة بايدن للشرق الأوسط والمملكة، وحضوره قمة جدة، واللقاء بقادة مجلس دول التعاون الخليجي، ومراجعة الرئيس بايدن لمواقفه وشعاراته الانتخابية، تأتي على ضوء تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وخصوصاً أزمة الطاقة، وارتفاع مستوى التضخم العالمي، والمخاوف من حدوث ركود عالمي.

 الأدوار السلبية والمترددة التي لعبتها واشنطن في عدد من ملفات المنطقة، تركت لعدد من اللاعبين الدوليين والإقليميين مجالاً واسعاً للتنافس والصراع، في الوقت الذي كان فيه النظام الإقليمي يفقد عناصر توازنه القديمة، من دون أن تكون القوى المتدخلة قادرة بشكل منفرد على حسم النزاعات، أو الاتفاق فيما بينها؛ بل ما هو أسوأ، مراهنة القوى المتدخلة على جني مكاسب من تفكّك أوضاع بعض الدول، وبالتالي تورطها في معارك مضادة للمصالح الاستراتيجية لاقتصاداتها وشعوبها، بدلاً من البحث عن تسويات، تدعم نشوء نظام إقليمي، يحترم مصالح الجميع، ولديه آليات على معايرتها.

 النظام الإقليمي الشرق أوسطي ليس منفصلاً عن النظام الدولي، لكن هذه البدهية لا تعني أنه لا يمتلك هوامش للعمل بشكل مستقل، أو حتى الاستفادة من أزمات المجتمع الدولي وتناقضات المصالح فيه، خصوصاً أن حالة الحرب القائمة بين الغرب وروسيا، والتي تشير كل المعطيات الراهنة إلى استمرارها، يمكن أن تشكل فرصة مهمة لإعادة بناء منظومة أمن واستقرار جديدة للشرق الأوسط، للبدء في الخروج بشكل متدرّج من واقع الأزمات الراهنة إلى وضع أكثر ارتباطاً بحاجات النمو للشعوب والدول، والعمل على قضايا تتعلق بشكل مباشر بعمليات التنمية المستدامة.

 على طاولة حسابات المستقبل، هناك دروس العقد الأخير؛ حيث إن السماح بانفراط عقد الدولة، أي دولة، هو مقدمة لفوضى وأزمات تتجاوز جغرافيا الدولة المعنية، وأن البدائل غير الحكومية، من فصائل وميليشيات، هي الوصفة المثالية لنسف الرأسمال المادي والرمزي الذي راكمته الشعوب، لكن في الوقت نفسه، فإن استمرار الدول مرهون بتجديد مشروعيتها، والولوج في روح العصر، وتبني قيمه، والاستجابة للمتطلبات التنموية، المحددة بمؤشرات قابلة للقياس، من قبيل التعليم، والصحة، والخدمات، والمعلوماتية، واحترام منظومة حقوق الإنسان، وفرص العمل، والعدالة الاجتماعية، وغيرها.

 يعاني النظام الإقليمي الشرق أوسطي (المقصود هنا العالم العربي وتركيا وإيران) معضلة تفكّك الدولة في المشرق العربي وليبيا واليمن، وهي معضلة معقدة، بأبعادها الداخلية والخارجية، وتداعياتها المختلفة، وليس أخطرها التداعي الأمني، الذي قد يبدو ظاهرياً هو الأهم، لكن في الحقيقة، إن المسألة الأساس هي المسألة السياسية، والتي تحتاج إلى توافق إرادات إقليمية، على تصفير المشكلات الإقليمية ما أمكن، وصولاً إلى توافق على الحلول الممكنة، والقابلة للاستمرار في الوقت ذاته، من أجل إعادة إنتاج الدولة في هذه البلدان.

 في قلب كل نظام إقليمي هناك قوى رائدة، بما تمتلكه من إمكانات، يمكن أن تتكامل مع بعضها بعضاً، لتشكّل كتلة وازنة ومؤثرة في مجمل الإقليم، وترسم المسار العام لسياساته، بالتوافق ومعايرة المصالح مع الشركاء، ونشوء مثل هذه القوة في النظام الإقليمي الشرق أوسطي ضرورة ملحة، كمرجعية لعقلنة السياسات، ودفعها نحو التبادلية والتكاملية، عوضاً عن استنزاف الثروات المادية والبشرية، ودفع عجلة التاريخ نحو المستقبل، والاستفادة من الدروس المؤلمة في تاريخنا القريب.

 أهمية الشرق الأوسط لا يمكن تجاوزها من قبل القوى العظمى، لكن استثمار هذه الأهمية، وترسيخ مكتسباتها، سيبقى رهناً بنشوء نظام إقليمي بمواصفات مختلفة عن النظام القديم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"