عادي

الابتزاز بالصور.. جريمة سلاحها العاطفة

00:50 صباحا
قراءة 7 دقائق

يتعرض الكثير من الناس، للابتزاز والتهديد بنشر الصور ومقاطع الفيديو، كأحد أحدث الجرائم الإلكترونية، ويتنوع هذا التهديد بين مادي وجسدي، حيث يستغل بعضهم الفضاء الإلكتروني، لابتزاز الفتيات بصور شخصية عن طريق رسائل ومطاردات هاتفية، أو حتى صور ملفقة.

ويعدّ التهديد بنشر مقاطع الفيديو والصور الخاصة وغير اللائقة، إحدى الجرائم التي تضاعفت في ساحات المحاكم خلال السنوات الأخيرة، حيث يتعرض كثُر للتهديد بفضح محادثاتهم وصورهم الخاصة مع آخرين، وتختلف الطرائق التي يتبعها ممارسو التهديد بنشر الصور ومقاطع الفيديو ومحادثات الضحايا، وتتعدد دوافع الابتزاز أيضاً، بين الحصول على مبالغ مالية، أو ابتزاز أو انتقام. وأظهر عدد من القضايا المنظورة في المحاكم، أنواعاً أخرى من الابتزاز بالصور، يقف وراءها أشخاص من المقربين للضحايا، متخفون بهويات غير حقيقية.وأمام تنامي الظاهرة، ترفض معظم الفتيات عادة الإبلاغ عن تعرضهنّ للابتزاز، خوفاً من الفضيحة ونظرة المجتمع السلبية وأسباب أخرى

أوضحت النيابة العامة للدولة، عقوبة جريمة الابتزاز الإلكتروني، وأشارت عبر حسابها على «تويتر» إلى أنه طبقاً للمادة 16 مِن المرسوم بقانون اتحادي رقم 5 لسنة 2012، بمكافحة جرائم تقنية المعلومات وتعديلاته، يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين، والغرامة التي لا تقل عن 250 ألف درهم، ولا تتجاوز 500 ألف درهم، أو بإحداهما، كل من ابتز أو هدد شخصاً آخر، لحمله على القيام بفعل أو الامتناع عنه، باستخدام شبكة معلوماتية أو وسيلة تقنية معلومات. وتكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على عشر سنوات، إذا كان التهديد بارتكاب جناية، أو إسناد أمور خادشة للشرف.

ويأتي نشر هذه المعلومات، في إطار حملة النيابة العامة للدولة المستمرة، لتعزيز الثقافة القانونية في المجتمع، ورفع مستوى وعي الجمهور بالقانون، ونشر ثقافته أسلوب حياة.

آخر وقائع التهديد، بنشر الصور، قضية موظف خليجي (31 عاماً) شهدتها محكمة دبي، حيث انقلب الموظف على صديقته السابقة، نتيجة خلاف بينهما، وسبها بألفاظ مسيئة، وهددها بفضحها ونشر صور خاصة لها على شبكات التواصل، قاصداً المساس بشرفها، إذا لم ترد على اتصالاته، وتعيد العلاقة بينهما. فقبضت عليه الشرطة، بعد تحذيره، وأحيل إلى النيابة العامة التي وجهت إليه ارتكاب جناية التهديد المصحوب بطلب وجنحة السب، وأحالته إلى محكمة الجنايات التي قضت بحبسه ثلاثة أشهر، فطعن على الحكم أمام محكمة الاستئناف التي أيدت الحكم، وأوقفت تنفيذه لمدة ثلاث سنوات.

هول المصيبة

وفي قضية أخرى، تخيّلت فتاة عربية تعمل في شركة خاصة بأبوظبي، أنها تعيش قصة غرام واقعية، لكنها في نهاية المطاف، اكتشفت هول مصيبتها التي قادتها إلى ليالٍ مرعبة من الضغط النفسي والابتزاز، وكل تفاصيل حياتها تحولت إلى عالم من القلق المتزايد، ولا حول لها ولا قوة إلا الخضوع لمطالب المبتزين، أو مواجهة الفضيحة أمام المجتمع.

وقالت شارحة دعواها: أعمل في الشركة التي يعمل فيها المشكوّ عليه، وبعد أن انتهت علاقتنا العاطفية، بدأ بمضايقي، بإرسال رسائل عبر برنامج المحادثات «واتس آب». كما أخبرني بأنه اخترق حسابي، وأخذ صوري منه. وهدّدني بنشر صوري بين أفراد أسرتي، في حال رفضت العودة إليه. وعشت أياماً مرعبة من الضغط النفسي وتحولت حياتي إلى قلق دائم.

وأضافت أنها رفضت الانصياع لمطالباته وأبلغت الجهات المعنية التي تولت القضية، وأحالت المتهم إلى المحكمة الجزائية التي دانته بالتهم المنسوبة إليه.

دخول الحسابات

وبعد صدور الحكم الجزائي توجهت الشاكية إلى المحكمة المدنية المختصة للمطالبة بالتعويض، مرفقة لهيئة المحكمة صور أحكام جزائية.

وأكدت المحكمة أن الثابت من الحكم الجزائي إدانة المشكو عليه، بإسناد أمور تمسّ سمعة الشاكية وشرفها، وبنشر صورها الخاصة على أفراد أسرتها وأصدقائها لتسوء سمعتها أمامهم، لحملها على إعادة علاقتها به، باستخدام تقنية المعلومات «هاتف نقال».

وأشارت المحكمة إلى أن الثابت من الأوراق إدانة المتهم أيضاً عن تهمة دخوله حساب الشاكية في موقع «فيسبوك»، بدون تصريح، كما دانته عن تهمة سب الشاكية، بما يخدش شرفها وحيثيتها بالهاتف النقال. وقد تم تأييد حكم الإدانة، ومن ثم يكون الحكم قد حاز حجية الأمر المقضي فيما قضى به أمام المحكمة المدنية، ولا يجوز معه إعادة بحث عناصر المسؤولية ومن ثم يكون ركن الخطأ قد توافر قبل المّدعى عليه وثبت ثبوتاً قطعياً بحقه.

الصورة

أقرب الناس

وأظهرت قضية باميلا، نوعاً آخر للابتزاز والتهديد بالصور من أزواج وأصدقاء تجاه أقرب الناس، حيث عاشت وأسرتها وقائع ابتزاز وتشهير من نوع خاص، شكل لها صدمة نفسية كبيرة، إذ كان المبتزّ زوجها. وبدأت الواقعة عندما أرسل صوراً تظهر فيها عارية إلى شقيقها وأقاربها عبر برنامج «الماسنجر»، وأخبرهم بأن ابنتهم تمارس أعمالاً مخلة بالآداب.

لحظات قلق عصيبة عاشتها باميلا وذووها، لكنها انتهت بخروجها من فخ المبتزّ بسلام، بعدما أبلغت الشرطة التي كشفت هويته، ليتبيّن أنه زوجها. وقد استدعي للتحقيق، وأحيل هاتفه إلى المختبر الإلكتروني.

وأكد التقرير أنه هو من أرسل الصور فعلاً. وبعد إحالته إلى القضاء، قضت المحكمة بتغريمه 250 ألف درهم مع إبعاده عن الدولة.

لم تدرك «م ع»، وهي شابة في العقد الثاني، حجم الضغوط التي يقع تحتها ضحايا الابتزاز، إلا بعدما تعرفت إلى شاب عبر مواقع التواصل، جمعتها به علاقة عاطفية، فقد أوهمها بأنه وقع في غرامها ويريد الزواج منها، وعلى وقع كلامه المعسول، ووعوده المستمرة لها بالزواج، راحت ترسل له صوراً وفيديوهات خاصة، إلا أنها اكتشفت بعد مرور بضعة شهور أنه كاذب فقررت قطع علاقتها به، وطالبته بعدم الاتصال بها مرة أخرى، ولم يطل به الأمر حتى أظهر لها وجهه الحقيقي وهددها بنشر صورها إن لم تعد علاقتها به، لكنها لم تستجب له وقررت إبلاغ أسرتها، فأبلغت شرطة بر دبي التي ضبطت المتهم خلال 24 ساعة.

الحلول الناجعة

تضيء «الخليج» على هذه الجرائم الخطرة التي تزداد انتشاراً، مع تطور مواقع التواصل الإلكتروني، وسوء استخدام بعضهم لها، لوضع الحلول الناجعة للحدّ من انتشارها، وتبصير المجتمع وحمايته، عبر اللقاء بعدد من الخبراء والمختصين.

أشكال جديدة

يقول الدكتور عبد العزيز الحمادي، استشاري أسري، إن عمليات الاحتيال والسرقة والابتزاز موجودة في المجتمعات منذ نشأتها، إلا أنها تطورت واتخذت أشكالاً جديدة في عصر التكنولوجيا والثورة الصناعية الرابعة، فقد أفرزت وسائل الاتصال والتواصل الذكية، جرائم ذكية متعددة الوجوه. وهذه الجرائم تأتي نتيجة قلة وعي الضحايا، والخوف من اللوم، والاتهام بالخروج عن العادات والتقاليد المجتمعية، وانعدام التواصل بين الآباء والأبناء.

وأضاف: «ظاهرة الابتزاز الإلكتروني والتهديد من أبرز الظواهر في السنوات الأخيرة تبعاً لتعدد الأنماط الحياتية التي طرأت في كل المجتمعات وفرضت أساليب حديثة في ارتكاب الجرائم. وهناك ضرورة للتوعية التي تقع على مسؤولية المؤسسات الرسمية والاجتماعية، سواء كانت دينية أو تعليمية أو إعلامية في توجيه الفتيات بخطورة مثل هذه الجرائم والتحذير من سلوكيات وممارسات تمكن المبتزّ من هدفه».

خبرات حياتية

وأفاد الدكتور نواف النعيمي، أخصائي الطب النفسي، بأن «طبيعة شخصية المبتزّ تتسم بالسلوك الإجرامي وفقدان الضمير، وعدم تقدير تبعات جريمته المستقبلية، وعدم تحديد الأولويات. كما أن المبتزّ غالباً ما يكون شخصاً عدائياً لمجتمعه، ولا يتعلم من أخطائه، ويفتقد الشعور بالرحمة تجاه الآخرين». مشيراً إلى أن الضحية يقع في فخ المبتزّ في المقام الأول نتيجة العاطفة والسذاجة الزائدة، وعدم وجود خبرات حياتية لديه، وعقب الوقوع في الفخ يكون عامل الخوف هو المحرك الأول للضحية في رضوخه للمبتزّ، ويتوقف الرضوخ على نوع الشخصية، فالقلق بطبعه يكون أكثر رضوخاً من غيره.

وأكد النعيمي، أن ارتباط الضحية بأسرته وتواصله معها ومستوى التفاهم المتبادل بين أفراد الأسرة الواحدة، لها دور كبير في الحماية من المبتزّ، وتتيح له الرجوع إليها لمساعدته وحمايته، بدلاً من مواجهة المبتزّ بمفرده، أما إخفاء الضحية تعرضه للابتزاز عن أسرته، فيعكس وجود ضعف في علاقة التواصل بينهما.

المناهج التعليمية

أما الخبير التربوي الخبير التربوي علي الجنيد، فيؤكد أهمية دور المدارس في التوعية بمخاطر وسائل التواصل، والانسياق وراء أشخاص غير معروفين أو مشاركة الغرباء في المعلومات الشخصية. مشيراً إلى ضرورة أن تواكب المناهج التعليمية سرعة التغيرات التكنولوجية حتى لا تكون منفصمة عن الواقع، وأن تتضمن دروساً توعوية لحماية الطالب وتدريبه على المواجهة وإبلاغ الأسرة والجهات المختصة في حال تعرضه للابتزاز، أو التحرش أو الاصطياد الإلكتروني.

ويتابع «يحب أن تكون هناك رقابة أسرية مثقفة وليست قاتلة، لأن كل ممنوع مرغوب، لذلك يجب أن نوعي أبناءنا بالأسلوب الصحيح، وأن تكون الأسرة واعية ومتفهمة، وأن يؤدّي المدرسّون والإداريون في المدارس والجامعات دوراً في التوعية، وأن تنظم ورش للموظفات في أماكن العمل في المؤسسات الحكومية والخاصة للتوعية الأسرية، لأن كثيراً منهنّ سقطن فريسة لهذا الحب الزائف».

التربّح المالي

الصورة


أكد المحامي والمستشار القانوني عبدالله الكعبي، أنه مع تسارع وتيرة استخدام الشبكة العنكبوتية من الأشخاص الطبيعيين والمعنويين، وارتفاع هذه الوتيرة، استجدت أيضاً جرائم ابتدعها أشخاص لديهم القابلية لاستخدام هذه الشبكات وغيرها، لإتمام جرائمهم بغية التربّح المالي أو المعنوي.

وأضاف «المادة 16 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات تنص على أن يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين، والغرامة التي لا تقل عن 250 ألف درهم، ولا تجاوز 500 ألف درهم، أو بإحداهما، كل من ابتز أو هدد شخصاً آخر، لحمله على القيام بفعل أو الامتناع عنه، باستخدام شبكة المعلوماتية أو وسيلة تقنية، والعقوبة تكون السجن مدة لا تزيد على عشر سنوات، إذا كان التهديد بارتكاب جناية أو بإسناد أمور خادشة للشرف أو الاعتبار».

وأوضح أن جرائم الابتزاز يتم تنفيذها بطرق عدة، من أبرزها: استدراج الأشخاص عن طريق إنشاء حسابات وهمية على منصات التواصل، هدفها في الظاهر التعارف وفي الباطن الابتزاز، وعند التعارف يرسل الضحية صورة أو مقطع فيديو إلى الجاني، ثم تتم عملية الابتزاز. موجهاً الجمهور إلى تجنب قبول الإضافات أو الصداقات عبر شبكات التواصل، من مجهولين، وعدم الرد والتجاوب مع أي محادثات واردة من مصادر مجهولة أو مشاركة المعلومات الشخصية في الإنترنت.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"