عادي

أكثر من خزانة

23:22 مساء
قراءة 5 دقائق

القاهرة: وهيب الخطيب

بضغطة زر أصبح الوصول إلى المعلومات سهلًا، والإصدارات الإلكترونية متاحة، والكتب الصوتية يمكن أن نستمع إليها في أي وقت، تلك التطورات التي واجهتنا بسؤال لم نكن نعتقد أن نطرحه يوماً: هل ما زلنا بحاجة إلى مكتبات في عصرنا الرقمي؟ والمثير للدهشة، الجواب: نعم.

طوال تاريخ الحضارة الإنسانية اكتسبت المكتبات قيمة ثقافية وعلمية وأكاديمية هائلة. وكانت مراكز يمكن من خلالها نشر المعرفة، واستضافت أحدث التطورات في فهمنا للعالم.

ليس هناك من ينكر ما غيّرته التكنولوجيا في حياتنا، خاصة الطريقة التي نتعاطى بها مع وسائل المعرفة ووسائط التثقيف، فكما أن للصحف قنوات توزيع افتراضية، هناك نسخ افتراضية من الكتب. وأتاح ظهور الاتصالات الإلكترونية إمكانية إرسال المعرفة من أي نقطة على الأرض إلى أي مكان آخر، وعلى نحو فوري تقريباً، وبالتالي كان على المكتبات التكيّف من أجل أداء أدوار جديدة وتحقيق أقصى استفادة من التقدم في تقنياتنا.

لا حدود

كانت المكتبات دائماً في قلب المجتمعات التي تخدمها، مساحات يسهل الوصول إليها وآمنة، وتوفر الوصول إلى موارد ضخمة من المعلومات والمعرفة. وتتجاوز المكتبة العامة الحدود الوطنية والثقافية بغض النظر عن مكان وجودك في العالم، فهي جزء أساسي من تكوين مجتمع متعلم ومتطور.

لكن المكتبات العامة اليوم عند نقطة تحول، وإن كانت حاجتنا إلى مساحات مشتركة تدفعنا إلى العثور على المعلومات والتواصل مع الآخرين.ولمواكبة العصر الرقمي، يجب أن تكون المكتبات العامة شجاعة ومبتكرة. وبمعنى آخر: يجب أن تقدم المكتبات نفسها بوصفها ليست فقط مجرد خزائن كتب.

في هذا الشأن أوضح تقرير نشره موقع المركز الثقافي البريطاني في 2014، أن زوار المكتبات المنتظمين يواصلون الاستمرار في تلقي الخدمات التي تقدّمها المكتبات لسنوات عدة. وهو أمر جيد في حد ذاته، فلا ينبغي أن تختفي المكتبة «التقليدية» المعنية بالكتب والمجلات ومساحات القراءة الهادئة، لكن مؤسسات القراءة تحتاج أيضاً إلى الاستجابة بسرعة للتغييرات المتلاحقة بشأن الطريقة التي يعيش بها الناس حياتهم.

في المملكة المتحدة ومع تزايد الضغط على الإنفاق العام وانخفاض أعداد الزوار، تعرض نظام المكتبات التقليدية لمزيد من التدقيق. لماذا تحتفظ بمكتبات «مادية» باهظة الثمن في حين أن عدداً متزايداً من الأشخاص يمكنهم بالفعل الوصول إلى المعلومات التي يحتاجون إليها من أي مكان؟ نتيجة لذلك، تعرضت المكتبات العامة في السنوات الأخيرة للتهديد بالإغلاق في جميع أنحاء البلاد.

استعارة رقمية

حقيقة غيّر القراء الإلكترونيون والكتب الإلكترونية الطريقة التي يستهلك بها الكثير من الناس المواد الثقافية، كما أنها جلبت فوائد وفرصاً للمكتبات. وعلى وجه الخصوص تبنّى الأطفال والشباب تكنولوجيا القراءة الرقمية بشغف، وبغض النظر عن موقف أي شخص تجاه أجهزة القراءة الحديثة، فإنها تجعل القراءة أكثر سهولة؛ نظراً لأن الكتب الإلكترونية لا تتطلب أي مساحة مادية داخل المكتبة، فهي مجانية في تقديم أكبر عدد ممكن من العناوين للعملاء، ولا يوجد حد لعدد الأشخاص الذين يمكنهم استعارة الكتب في أي وقت.

ومنذ أن بدأت المكتبات الغربية في إنشاء مخططات الاستعارة الرقمية، وجد معظمها أنها قادرة على تقديم مجموعة أكثر تنوعاً من العناوين، وهذا لأنه لا يتعين عليهم التفكير في مساحة الرفّ مع أدوات الرقمنة.

مقارنة

بعيداً عن البلدان النامية والفقيرة التي يمثل فيها الحصول على خدمة إنترنت إشكالية، وبالتالي تعد المكتبات بالنسبة لهم هي المنقذ، فإن معظم الأمريكيين محظوظون بما يكفي لامتلاك اتصال لائق داخل منازلهم. وغالباً ما تتمتع المكتبات الأمريكية الآن، بسرعات اتصال إنترنت جيدة جداً ومقترنة بمجموعة من العناوين التعليمية وغير الخيالية التي تحتفظ بها على أرففها، فهي تجعل مواقع الدراسة مثالية.

ونعود إلى البلدان ذات الدخل المنخفض، مثل بنغلاديش، ليختلف سياق المكتبات في ظل بعض التحديات فنحن أمام دولة صغيرة ذات تعداد سكاني ضخم يقدّر بنحو 162 مليوناً. وترتفع معدلات الفقر والأمية خاصة في المناطق الريفية. ووفقاً للبنك الدولي، فإن 43% من إجمالي السكان البالغين أميّون، مع وجود عدد غير متناسب من الإناث، وانتشار الإنترنت هناك لا يتجاوز 22% فقط.

وفي مصر أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أن عدد دور الكتب والمكتبات العامة والمتخصصة ومكتبات الجامعات والمعاهد بلغ 1,353 مكتبة، بواقع 319 مكتبة عامة، و394 مكتبة متخصصة، و640 مكتبة جامعية، حسب إحصائية عام 2020، أعلن عنها في أبريل 2021.

وأوضحت الإحصائية أن عدد المترددين على دور الكتب والمكتبات بلغ نحو 3.420 مليون زائر، واحتلت المكتبات الجامعية والمعاهد النصيب الأكبر في عدد الزوار بواقع 2.7 مليون، تليها المكتبات العامة بنحو 465 ألفاً.

إذاً تحتاج البلدان النامية على نحو عاجل إلى مزيد من الوصول إلى المعلومات الموثوق بها لجميع مواطنيها. فهم لا يحتاجون فقط إلى معلومات حيوية حول الصحة والسلامة والتغذية والخدمات العامة؛ بل يريدون أيضاً فرصاً لتطوير محو أميتهم وتعلم مهارات التوظيف والمشاركة في الأنشطة التعليمية والثقافية الجماعية؛ إذ تعد المعلومات ضرورية للتنمية والازدهار، ويمكن أن يؤدي الافتقار إليها إلى تفاقم الفقر الاقتصادي.

أدوار جديدة

في المملكة المتحدة أعيد التفكير في الطريقة التي يجب أن تخدم بها المكتبة الجمهور، وكيف يمكن أن تبدو مكتبة المستقبل وما ينبغي أن تبدو عليه.

وفي عام 2013 نشر مجلس الفنون في إنجلترا بحثاً واسع النطاق ومفصلًا، تصور مكتبة المستقبل، بهدف الإجابة عن هذه الأسئلة، إضافة إلى تأكيد الحاجة إلى الوجود المادي والرقمي جنباً إلى جنب.

ورأى البحث أن خدمة المكتبات العامة في القرن الحادي والعشرين ستكون خدمة تشاركية، يكون فيها السكان المحليون أكثر نشاطاً، ويشاركون في تصميمها وتقديمها. وتجدد أهمية الإحساس بالانتماء للمجتمع الذي يعد دائماً سمة مميزة للمكتبات.

الآن وبعد أن أصبحت المعلومات متاحة على نطاق واسع وبسهولة عبر الإنترنت، يمكن القول إنه أصبح من الصعب إقناع الناس بأنهم بحاجة إلى كتاب كامل مخصص لموضوع ما. بينما تعد الإنترنت مورداً تعليمياً ممتازاً، كما أن المعلومات المنشورة على الشبكة لن تخضع لنفس عمليات التحقق الصارمة التي قد تحدث لوسائل الإعلام المطبوعة.

وللاستمرار في جذب الناس إلى القراءة، ستحتاج المكتبات إلى الاستمرار في تبني التكنولوجيا، ومن المرجح أن يتحول التركيز إلى توفير بيئة مماثلة لمكتبة الجامعة. وتحقيقاً لهذه الغاية، تبحث المكتبات على نحو متزايد عن توظيف أولئك الحاصلين على درجة علمية، ومنحهم درجة وظيفية في أروقتها، ليكون لديهم فهم عميق لكيفية تشغيل مكتبة وتعظيم فائدتها.

وبالتالي تستمر المكتبات في كونها جزءاً مهماً من المشهد الأكاديمي والثقافي لمعظم البلدان، كمورد يجب أن نعتز به ويجب أن نكافح من أجل حمايته.

أكثر من علاج

وحسب دراسات غربية، هل تعلم أن الأشخاص الذين يقرؤون بانتظام أقل عرضة مرتين ونصف المرة للإصابة بمتلازمة الزهايمر؟ في رسم بياني مشترك بواسطة موقع Feel Good، تعلمنا الكثير من الحقائق المثيرة للاهتمام حول سبب استمرار قراءة الكتب وليس الكتب الإلكترونية فقط، ومع ذلك، فإن الحاجة إلى المكتبات ليست فقط بسبب القضايا الصحية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p93umdc

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"