عادي

حركة الشباب.. إرهاب متصاعد

23:19 مساء
قراءة 4 دقائق
الأمن الصومالي يحرس موقع انفجار سيارة مفخخة في مقديشو (رويترز)

د. أميرة محمد عبدالحليم

بعد نجاح القوى السياسية المختلفة في الصومال في إجراء الانتخابات البرلمانية ومن ثم الانتخابات الرئاسية، بعد عام من الخلافات والتجاذبات بين مختلف الفصائل السياسية، انتقلت الصومال إلى عهد جديد عقب اختيار أعضاء البرلمان ووصول الرئيس الجديد حسن شيخ محمود للسلطة، وبرغم التحديات المزمنة التي تعانيها الدولة إلا أن الانتقال السياسي الأخير للسلطة طرح آمالاً بإمكانية استعادة الاستقرار في الصومال التي تدور في حلقة مفرغة من الفوضى منذ أكثر من ثلاثة عقود.

زادت حركة الشباب التي تمثل الفصيل الرئيسي للإرهاب وفرع تنظيم القاعدة المحلي في منطقة القرن الإفريقي، من هجماتها الإرهابية واستمرت في استهداف المدنيين والعسكريين وحولت العاصمة مقديشيو إلى مركز رئيسي لعملياتها.

وقد طرح التصعيد الكبير لعمليات حركة الشباب والذي بدأ مع حلول عام 2022، واتخذ أبعاداً جديدة خلال الأيام الأخيرة، حيث تتوالى العمليات الإرهابية للحركة، تساؤلات حول أسباب هذا التصعيد وتداعياته على الاستقرار الداخلي والإقليمي في الصومال وجاراتها في القرن الإفريقي.

إرباك الحكومة الصومالية

فقد بدا الأمر على أنه محاولة من حركة الشباب لإثبات فشل الحكومة الصومالية الجديدة التي لم يمض على تشكيلها وقت كبير، حيث أعلنت هذه الحكومة عن حرب شاملة ضد الحركة في وسط وجنوب الصومال، كما ضمت الحكومة الجديدة بين أعضائها أحد العناصر القيادية السابقة في حركة الشباب، حيث تم تعيين مختار روبو (نائب سابق لرئيس الحركة والمتحدث باسمها) والذي انشق عنها في 2013 وزيراً للشؤون الدينية في الصومال، مما استفز الحركة وزاد من حرصها على تهديد أعمال الحكومة الجديدة. حيث ترى حركة الشباب أن قبول نائب زعيمها السابق لوظيفة حكومية جريمة شنعاء، ويستوجب العقوبة القصوى.

وفي بيان مسجل مدته عشر دقائق، قال المتحدث باسم الحركة علي دهيري إن «روبو مرتد ودمه مهدور». حيث يفتح انضمام روبو إلى الحكومة الصومالية ونجاحه في إعادة الاندماج في المجتمع الطريق أمام انشقاقات جديدة في حركة الشباب تنذر بإضعاف الحركة وزوالها.

في الوقت الذي تهتم الحركة الإرهابية بمواجهة خطط الرئيس الجديد حسن شيخ محمود الذي فشلت في الوصول إلى العاصمة مقديشو خلال فترة حكمه الأولى من 2012-2016، وتمكنت القوات الإفريقية من استرداد أجزاء من الأراضي التي تسيطر عليها الحركة، وكان هذا الإنجاز أحد مبررات نجاح الرئيس محمود في الوصول إلى السلطة. إلا أن حركة الشباب اليوم أكثر احترافية وتمتلك قدرات متطورة سواء من الناحية العملياتية أو السيطرة على الأرض.

ومن ناحية ثانية، مثل القرار الذي اتخذته إدارة بايدن في مايو 2022 بإعادة انتشار 500 جندي أمريكي في الصومال لمكافحة الإرهاب وحماية المصالح الأمريكية في القرن الإفريقي، تحدياً كبيراً لحركة الشباب فما فتئت الحركة أن تخلصت في عهد الرئيس الأمريكي ترامب من الوجود الأمريكي في البلاد وكذلك جاء قرار إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في مارس 2021 بفرض قيود على استخدام الطائرات بدون طيار في إفريقيا، ليدعم من قدرات حركة الشباب التي تم التخلص من غالبية قادتها عبر الطائرات الأمريكية المسيرة.

فمع عودة الجنود الأمريكيين للصومال ينتظر حركة الشباب خطط جديدة لتصفية عناصرها، وإخراجها من مناطق نفوذها في البلاد.

العدو القريب

ومن ناحية ثالثة وعلى الرغم من مرور سنوات على دخول القوات الإثيوبية إلى الصومال في يوليو من عام 2006، وتمكنها من التخلص من حكم اتحاد المحاكم الإسلامية الذي تكونت في إطاره حركة الشباب، ظلت الحركة تنتظر لتصفية حساباتها مع الجارة إثيوبيا، ووجدت في حرب التيجراى وما نتج عنها من تداعيات أمنية وسياسية فرصة للتوغل داخل الأراضي الإثيوبية، حيث دخل ما يقرب من 1200 من عناصر الحركة لمسافة 150 كم وفقاً لتصريحات القائد السابق للقيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم) ستيفن تاونسند.

وفضلاً عن هذه الأسباب المختلفة للتصعيد الأخير لحركة الشباب، فإن استهداف الحركة للقوات الإفريقية والجيش الصومالي يمثل هدفاً رئيسياً للحركة، حيث أعلن زعيمها أحمد عمر أبو عبيدة أن الحركة ستعمل على إنهاء عمليات القوات الإفريقية في الصومال، ويضاف إلى ذلك أن الحركة لا تزال تستهدف المسؤولين في الحكومة الصومالية وكذلك العاملون في الشركات التركية، حيث تعتقد حركة الشباب أن الوجود التركي في الصومال يأتي خصماً من مكاسبها، حيث يساعد هذا الوجود المواطنين على الاستغناء عن خدمات حركة الشباب في بعض الأحيان.

تحديات مواجهة حركة الشباب

وفى الأخير يمكن القول إن محاولات مواجهة إرهاب حركة الشباب في الصومال تنطوي على الكثير من التحديات التي يجب معالجتها أولا قبل البدء في تبنّي استراتيجيات متنوعة للحد من التهديدات التي تمثلها الحركة.

فمن ناحية يمثل عدم قدرة الحكومة الصومالية على القيام بوظائفها التوزيعية والأمنية في مناطق مختلفة، أهم التحديات التي تحول دون مواجهة حركة الشباب، ففي المقابل تقيم حركة الشباب حكومة موازية تعمل على استمالة المواطنين في المناطق التي تسيطر عليها في وسط وجنوب البلاد عن طريق تقديم بعض الخدمات.

ومن ناحية ثانية، لابد أن تتضمن معالجة إرهاب حركة الشباب على آليات ثقافية مجتمعية لتصحيح الفكر والعقيدة، مع دراسة لبرامج إعادة الإدماج للعناصر التي تنشق عن الحركة وتسعى للعودة إلى المجتمع.

ومن ناحية ثالثة، وفي ظل ما أشار إليه الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود حول إمكانية اتجاه الحكومة الصومالية للتفاوض مع حركة الشباب، فإن هذا التفاوض يجب أن يسبقه تحقيق مصالحة وطنية وإنهاء الخلافات المتنامية بين الحكومة المركزية وعدد من الأقاليم.

وعلى الجانب الآخر، من أهم تحديات الاستقرار في الصومال، كثرة الاستراتيجيات التي تضعها قوى داخلية وخارجية والتي تفتقد التوافق فيما بينها، والوصول إلى استراتيجيات موحدة لمواجهة التهديدات التي تعانيها الدولة الصومالية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ezjpfw6p

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"