هل تحتاج «وول ستريت» لـ«بيتكوين» أم العكس؟

21:43 مساء
قراءة 3 دقائق

جورج كالوديس *

في اللحظة التي وضعت فيها شركة «إنفسكو» 5% من الأصول الخاضعة لإدارتها، والبالغة 1.4 تريليون دولار، في البيتكوين كان الجميع بصدد فعل الشيء ذاته، الأمر الذي كان سيؤدي إلى ارتفاع في الطلب يؤدي بدوره (بجانب العرض المحدود لعملة البيتكوين) إلى إرسال سعر البيتكوين إلى مستويات عالية بدرجة كبيرة.

وبما أن «وول ستريت» يضم مؤسسات المستثمرين الضخمة كهذه الشركة، والبيتكوين يعد مصدراً لجني الأموال، فمن البديهي أن تكون هنالك علاقة احتياج بين الطرفين. ولكن هل الأمر كذلك أم أن كل طرف منهما مستغنٍ عن الطرف الآخر.

بالنظر إلى الكثير من الفروق الدقيقة هناك احتمالان: إما أن وول ستريت، سيصبح في مأزق إذا لم يشتر عملة البيتكوين أو أن عملة البيتكوين ستكون في مأزق إذا لم يقم وول ستريت بشرائها.

وهناك أيضاً احتمال ثالث من المرجح أن يكون هو الصحيح، وهو أن وول ستريت لا يحتاج إلى عملة البيتكوين، وعملة البيتكوين لا تحتاج إلى وول ستريت.

وكل هذه الاحتمالات ترد بالتفصيل للكشف عن حقيقة العلاقة بين رائد الاستثمارات والمضاربات في العالم وبين كبرى العملات المشفرة.

منذ أن نشأ وول ستريت في وقت ما في القرن التاسع عشر وحتى الآن وهو يحقق الكثير من الأموال التي لا تحصى ولا تعد، ولم يواجه أي مشكلة في جني هذه الأموال قبل ظهور البيتكوين، وبالتأكيد لا يواجه أي مشكلة الآن في وجود البيتكوين.

فهذا العملاق «وول ستريت» لا يكتسب الأموال فقط من خلال تقدير الأصول التي يحتفظ بها نيابة عن المستثمرين؛ بل يحقق أرباحاً من بيع المنتجات المالية نيابة عن المستثمرين ولهم مقابل رسوم لهذا فهو لا يحتاج إلى البيتكوين، لأنه وبغض النظر عن مدى تأخره، سيجد دائماً طريقة هندسة مالية يحقق بها الربح.

تكمن القيمة الحقيقية للبيتكوين في أنه عملة مستقلة عن الحكومات وتنطبق هذه الفكرة على أنها مستقلة أيضاً عن مؤسسات مثل وول ستريت.

فهذه العملة لم يتم إنشاؤها للمؤسسات؛ بل للالتفاف عليها، والبيتكوين عبارة عن نقود لا تحتاج إلى وسطاء تابعين لجهات خارجية؛ ولا يوجد وسيط أكثر ربحاً من المصرفيين الاستثماريين في جانب البيع في وول ستريت ومكاتب التداول.

ولا يقوم المصرفيون والمتداولون في وول ستريت بتوجيه المعاملات المالية اليومية (منك إلى المقهى المحلي على سبيل المثال) مقابل رسوم؛ بل في الواقع يقومون بالتوجيه (التنظيم أو تقديم المشورة) للمعاملات المالية اليومية بين المستثمرين والشركات الكبيرة وما في حكمها مقابل رسوم، وفيما يتعلق بالبيتكوين فهي لا تحتاج إلى أي وسيط تابع لجهة خارجية.

هناك مثالية ملازمة لعملة البيتكوين في الأذهان وهي أن وجود البيتكوين، سيجعل جميع المؤسسات المالية مرافق عفا عليها الزمن؛ فالفكرة السائدة هي أن الأموال الخارجية اللامركزية من نظير إلى نظير، وهي عملة البيتكوين، ستجعل جميع البنوك ومديري الأصول ومكاتب التداول والعمولة والبنوك المركزية ومديري الأموال ومقرضي الشركات تختفي، لكن قد تكون هذه الفكرة غير صحيحة.

نعم هذه العملة ستغير العالم بشكل هادف من خلال منح الأشخاص الذين لا يتعاملون مع البنوك، أو الذين يعانون نقص البنوك، إمكانية الوصول الكامل إلى المنتجات المالية الأساسية، لكن بالتأكيد سيكون هناك دائماً صرافون للأموال، لأننا بقدر ما نحب الاستقلالية إلا أن كثيراً منا يقدّر راحة البال التي تأتي مع وجود طرف ثالث، والذي يجب أن يكون محل ثقة لعدم وجود الملاذ القانوني والمجتمعي إذا أساء ذلك الطرف الثالث التصرف.

أولاً لا تحتاج وول ستريت إلى عملة البيتكوين، لأنها ستستمر في جني الأموال بدونها؛ حيث ستظل رسوم الاستشارات والتداول مصدراً لجني أرباح ثابتة دون أن تتعامل شركات وول ستريت بالبيتكوين؛ وطالما أن المنتجات المالية التي لا تحمل اسم البيتكوين موجودة (وستكون موجودة طالما لدينا حضارة وحروب) ستكون هنالك مؤسسات تقوم بتجميع هذه المنتجات المالية وإصدارها وشرائها وبيعها.

ثانياً لا تحتاج البيتكوين إلى وول ستريت، لأنها ستستمر في الوجود بدون أطراف ثالثة، وستستمر في كونها منفذاً للأشخاص الذين يعيشون في ظل حرب دائرة أو تضخم متزايد، وستظل متاحة كوسيلة فعالة لتخزين الثروة لمن لا يمتلكون حسابات مصرفية أو من يعيشون في بلدان يتسارع فيها ارتفاع التضخم.

وفي حين أن «وول ستريت» و«البيتكوين» لا يحتاجان إلى بعضهما بعضاً، إلا أنهما في الواقع لن يضر أحدهما بالآخر؛ بل إن تبني وول ستريت الكامل لعملة البيتكوين يعني المزيد من الأموال لوول ستريت عن طريق زيادة الأرباح؛ ومن المحتمل أن يعني هذا التبني أيضاً المزيد من المال لمالكي البيتكوين عن طريق ارتفاع سعر البيتكوين.

* محلل أبحاث في «كوين ديسك»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/49e93bwk

عن الكاتب

محلل أبحاث في «كوين ديسك»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"