ميلوني والاختبار الصعب

00:38 صباحا
قراءة دقيقتين

يونس السيد

يعوّل الإيطاليون على رئيسة حكومتهم الجديدة جورجيا ميلوني في انتشال بلادهم من هاوية الأزمة الاقتصادية والتضخم، بالدرجة الأولى، أكثر بكثير من السياسة الخارجية التي لن تتغير كثيراً، على ما يبدو، بعد أن حسمت ميلوني الجدل بشأن القضايا الخلافية والمخاوف الداخلية والخارجية الناجمة عن وصول اليمين المتطرف إلى سدة الحكم.

ميلوني، التي دخلت التاريخ، ليس فقط لأنها أول امرأة تتولى منصب رئيسة الوزراء في إيطاليا، وإنما أيضاً لأنها حققت انتصاراً تاريخياً لحزبها (إخوة إيطاليا) الحديث العهد نسبياً، حيث نشأ قبل نحو عقد من الزمن إثر الانقسام الذي حدث في حزب «شعب الحرية» الذي كان يتزعمه آنذاك رئيس الوزراء الأسبق سيلفيو برلوسكوني، بقفزة نوعية هائلة بعد أن كان في صفوف المعارضة في كل الحكومات المتعاقبة. ففي عام 2018 حصل حزب «إخوة إيطاليا» على 4,3 في المئة من الأصوات في الانتخابات التشريعية، ليحصد في انتخابات سبتمبر/أيلول الماضي نحو 26 في المئة من الأصوات، ليصبح الحزب الأول في إيطاليا، ويحقق مع حلفائه في «رابطة الشمال» بزعامة ماتيو سالفيني (9 في المئة) وحزب «فورتسا إيطاليا» بزعامة برلوسكوني، الأغلبية المطلقة في كل من مجلسي النواب والشيوخ.

ومع ذلك، فإن مهمة ميلوني لن تكون سهلة على الإطلاق؛ إذ صحيح أنها نجحت في إنهاء «شيطنة» حزبها مع وصوله إلى السلطة وتنامي قاعدة اليمين المتطرف، وحاولت طمأنة حلفائها في الداخل بإسناد حقيبة الخارجية لرئيس البرلمان الأوروبي السابق أنطونيو تاجاني من «فورتسا إيطاليا»، وإسناد حقيبة الاقتصاد إلى جانكارلو جيورجيتي ممثل الجناح المعتدل في «الرابطة» والذي كان وزيراً في حكومة ماريو دراغي السابقة، إلا أن ذلك لم يشفع لدى الحلفاء قبول إمكانية هيمنتها على الساحة الداخلية، ولم يلغ الشكوك والخلافات التي سبقت تكليفها بتشكيل الحكومة حول توزيع المناصب في الحكومة والبرلمان.

كذلك حاولت ميلوني، طمأنة الفضاء الأوروبي بتأكيد دعمها لحلف «الناتو» وعضوية بلادها فيه، وأيضاً تأكيد انتماء بلادها للاتحاد الأوروبي بعد أن تخلت عن التشكيك فيه وعن حملتها من أجل الخروج من منطقة اليورو، مع وعود بالدفاع عن مصالح بلادها بشكل أكبر في بروكسل. كما عادت لتوضيح مواقفها وسياساتها من مختلف الملفات الخارجية الداعمة لسياسات الاتحاد الأوروبي ووحدته، ودعم الموقف الغربي عموماً من روسيا والأزمة الأوكرانية، إلا أن ذلك لم ينه المخاوف الأوروبية من صعود اليمين المتطرف وتمدده في داخل دول الاتحاد ومساعدته أو تشجيعه، في أقل الأحوال، على الوصول إلى السلطة في الفضاء الأوروبي.

وبعيداً عن كل التصنيفات النمطية لليمين الإيطالي وحتى الأوروبي عموماً، يترقب الجميع مدى قدرة ميلوني على النجاح في هذا الاختبار الصعب والتاريخي، أولاً بتوحيد الإيطاليين حولها، وثانياً بانتشال ثالث أكبر اقتصاد في الفضاء الأوروبي من أزماته العميقة في ظل الظروف والتطورات الدولية المضطربة وإقناع الداخل والخارج بإمكانية «عقلنة» اليمين المتطرف، وأن فوزه لم يكن مجرد عقاب للأحزاب التقليدية على فشلها في إنقاذ البلاد.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yt53s98c

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"