عادي

أين المترجم الإماراتي؟

22:53 مساء
قراءة 6 دقائق
1801

استطلاع: نجاة الفارس

لماذا توجد ندرة في المترجمين الإماراتيين؟ يؤكد عدد من المثقفين والمترجمين عدم إقبال الطلبة الإماراتيين على الالتحاق بأقسام الترجمة في الجامعات المحلية رغم حاجة أسواق العمل الماسة لمترجمين، لأسباب عديدة من أهمها الاعتقاد السائد بين الطلبة أن تخصص الترجمة يعني العمل في مجال واحد فقط، موضحين أن إشكالات الترجمة متشعبة تحتاج إلى وقفة فكرية ورؤية حقيقية تقوم على الواقع من أجل وضع أسس ثابتة للشروع في تحقيقها، وهو مشروع مؤجل لم يطرح إلا في أروقة المثقفين وعلى طاولة المنتديات الثقافية وبين أرفف البحوث العلمية، دون أن نلتفت إلى حقيقة وحتمية وجود المترجم الإماراتي.

أضافوا ل«الخليج»: لا يوجد مقر للمترجمين في الإمارات إنما مجموعات «واتس آب»، تتبادل الخبرة والأفكار والمقترحات، فالمترجم الإماراتي مازال تائهاً بين الدراسة التي تلقاها والواقع المرير لمهنة الترجمة، داعين إلى تشجيع المترجمين الإماراتيين على الانخراط بهذه المهنة الإنسانية، من خلال تسليط الضوء عليها عبر وسائل الإعلام والمنتديات والدورات التدريبية المتخصصة والمستمرة، التي تتيح تبادل الخبرات والمعرفة وتصقل خبراتهم التخصصية في المجال.

أسباب جوهرية

يقول الدكتور صديق جوهر أكاديمي وناقد خبير الترجمة في الأرشيف والمكتبة الوطنية: «لا يوجد إقبال من الطلبة الإماراتيين على الالتحاق بأقسام الترجمة في الجامعات المحلية رغم حاجة أسواق العمل الماسة لمترجمين في كافة فروع الترجمة، لأسباب عديدة من أهمها الاعتقاد السائد بين الطلبة أن تخصص الترجمة يعني العمل في مجال واحد فقط وهو الترجمة سواء التحريرية أو الشفوية، في حين أن التخصصات الأخرى ربما توفر مساحة أكبر من المناورة في ما يخص التقدم بطلبات التوظيف والبحث عن شواغر مناسبة، ثانياً يتطلب العمل في مجال الترجمة إجادة تامة للغتين على الأقل من بينهما اللغة العربية، ومن واقع خبرتي الطويلة في مجال التدريس الجامعي وكرئيس سابق لقسم اللغات والآداب وقسم الأدب الإنجليزي في جامعة الإمارات، فقد لاحظت أن معظم الطلبة الإماراتيين يجيدون اللغة الإنجليزية أكثر من إجادتهم للغة العربية نظراً لأن غالبية الطلبة من خريجي مدارس اللغات في الدولة، ولذلك يشكل تدني مستوى اللغة العربية حاجزاً أمام التحاقهم بأقسام الترجمة في الجامعات، ثالثاً لا يوجد في الدولة سوى قسم وحيد في جامعة الإمارات يمنح درجة البكالوريوس في دراسات الترجمة، ودون ذلك تدرس مناهج الترجمة كتخصص فرعي ضمن برامج اللغة الإنجليزية وآدابها في الجامعات الأخرى مما يقلص فرص التحاق الطلبة ببرامج دراسات الترجمة».

ويضيف، تمنح عدة جامعات في الدولة درجة الماجستير في الترجمة ولا يوجد في الوقت الراهن أي برنامج للدكتوراه في دراسات الترجمة، وربما توجد برامج محدودة للغاية تمنح درجة الدكتوراه في اللغويات والترجمة أو الأدب الإنجليزي والترجمة، ولذلك نجد أن عدم التوسع في إنشاء برامج دراسات الترجمة على مستوى البكالوريوس والدراسات العليا يضيق آفاق الاختيار أمام الطلبة الراغبين في الالتحاق بهذه البرامج علاوة على صعوبة شروط الالتحاق، رابعاً لا يوجد أي برنامج أكاديمي يمنح أي درجة علمية في تخصص الترجمة الفورية المطلوب بغزارة في أسواق العمل في ما عدا عدة مساقات تطرحها الجامعة الأمريكية في الشارقة ضمن برنامج ماجستير الترجمة حسب علمي، خامساً معظم مناهج الترجمة في الجامعات المحلية لا تعد الدارسين لأسواق العمل على الإطلاق، ولذلك يصعب على الخريجين الجدد عديمي الخبرة المنافسة في سوق العمل مما يسبب لهم الإحباط ولذلك ينصحون غيرهم بعدم الالتحاق بأقسام الترجمة.

وبالنسبة للسبب السادس لندرة وجود مترجمين إماراتيين، يقول الدكتور جوهر، تتطلب مهنة الترجمة سواء التحريرية أو الشفوية مهارات خاصة يجب توافرها لدى المترجم، مثل الإبداع والقدرة على التكيف مع نوعيات مختلفة من النصوص التي تنتمي لتخصصات متعددة، علاوة على إلمام المترجم بلغتين وثقافتين على الأقل إلماماً تاماً، كما ينبغي على المترجم تطوير مهاراته الثقافية طوال الوقت ومواصلة القراءة في شتى التخصصات، ومتابعة الدراسات البحثية ذات الصلة من أجل الارتقاء المستمر بمستواه المهني والأكاديمي، وبسبب المجهود المضاعف الذي ينبغي على المترجم القيام به من أجل مواصلة العمل في مجال الترجمة، يعرض البعض عن العمل في تلك المهنة التي تستوجب القراءة الدائمة، ومواكبة آخر التطورات في مجال التخصص، والاطلاع على أحدث المعاجم اللغوية ذات الصلة.

غياب

الدكتورة مريم الهاشمي، ناقدة وأكاديمية، تقول: الإشكالات والتحديات عديدة في الترجمة على مستوى الوطن العربي والمجتمع الإماراتي هو مجتمع مصغر للعالم العربي وما تعانيه الترجمة بشكل عام هنا هو ذاته في كل الأصقاع العربية، ما يجعلنا نطرح تساؤلات حول حضور المترجم الإماراتي من جهة وإشكالات الترجمة من جهة أخرى كفاعلية حضور مفردات اللغة أثناء الترجمة، وهل الترجمة يجب أن تكون حرفية أم مضمونية؟ وإشكالية التمكن في ترجمة الشعر كمادة أدبية بارزة بين الثقافات، وكذلك بروز اختلاف الثقافات بين الترجمة والالتزام الأخلاقي، وهل المترجم عليه أن يتخصص في اللغتين؟ وكيف يمكنه أن يوافق بين الثقافتين (المترجم منها والمترجم إليها) دون التركيز على جهة أحادية وهل لدينا تخصص لغات في دولة الإمارات؟، عدا بعض الجامعات الخاصة، وإن ولد المترجم، فلأي جهة سينتمي؟ في الأخير الحياة تتطلب أماناً وظيفياً.

وتوضح، إشكالية حضور المترجم الإماراتي هي وجه آخر لإشكالية حضور الأديب الإماراتي أو الناقد الإماراتي أو الباحث الإماراتي، الصورة لم تزل ضبابية أمام كل ما نطمح أن نصل إليه من تكامل ثقافي، فكيف لنا أن ننضج بعيداً عن الترجمة؟ وذلك أن نعرف الآخر ويعرفنا بدوره، ولا يمكن أن نشيح عن الواقع العربي والذي نجد فيه أن الناشر هو من يقوم باختيار الأعمال الأدبية للترجمة، وبالتالي فالاختيار وجب أن يكون اختياراً ربحياً – ولا يمكن أن نهضم حقه في ذلك - ومن هنا أجد أن المسؤولية الأكبر دائماً تقع على عاتق ضمير المترجم، فقد يدور صراع في نفس المترجم عندما يواجه ما يتعارض مع أخلاق مجتمعه مما يضعه في حيرة بين الالتزام الأدبي والالتزام الأخلاقي وتلك إشكالية أخرى. إن إشكالات الترجمة متشعبة وعديدة تحتاج إلى وقفة ذهنية فكرية ورؤية حقيقية تقوم على الواقع من أجل وضع أسس ثابتة للشروع في تحقيقها.

واقع مرير

الهنوف محمد شاعرة ومترجمة، تقول: الترجمة فرع مهم وحيوي من أفرع الأدب، فهي الرابط الأسمى بين جميع الألسن البشرية والحضارات على مد العصور، لقد تواصلت الحضارات القديمة من خلال المترجمين والرسائل التي تمت ترجمتها بين الملوك سواء العرب أو الفرس والروم، فكان للمترجم دور رئيسي في الدعوة الإسلامية، وأخص بالذكر أول مترجم في الإسلام الصحابي زيد بن ثابت الملقب بمترجم الرسول، فقد كان يجيد العبرية والسريانية والفارسية والحبشية والرومية والقبطية إلى جانب العربية.

وتذكر، تدرجت عملية الترجمة من النقل المباشر للمفردة المصدر إلى المفردة الهدف ولتصبح بعد ذلك الترجمة عبر السياق، وفي العصر الحديث هناك جامعات عدة متخصصة في اللسانيات والترجمة سواء في الوطن العربي أو في الغرب، وقد برز عدد من المترجمين المتميزين في الوطن العربي أضافوا الكثير للمكتبة العربية والعالمية، أما في الإمارات فعدد المترجمين المواطنين قليل جداً لعدة أسباب منها، أن تخصص الترجمة هو تخصص حديث، فقد كان يدرس كمساق ضمن مساقات الأدب، وليس كتخصص منفصل بذاته، ولكن الوضع اختلف الآن فبات يطرح كتخصص منفصل وطرح أيضاً في الدراسات العليا، كما أن النظرة الاجتماعية لمهنة الترجمة قاصرة نوعاً ما، وهناك بعض مكاتب الترجمة تتهرب من تدريب المترجم الإماراتي لأنه لن يرضى بالراتب المتدني، بالإضافة إلى تدني رواتب المترجمين في الدوائر الحكومية، وهي لا ترضى بتعيين المترجم الحاصل على الدراسات العليا بحجة أن المؤهل العلمي أعلى من الوظيفة ولا يتناسب مع الراتب.

وتتابع الهنوف محمد لا يوجد مقر للمترجمين في الإمارات إنما مجموعات «واتس آب» تتبادل الخبرة والأفكار والمقترحات، فالمترجم الإماراتي لا يزال تائهاً بين الدراسة التي تلقاها والواقع المرير لمهنة الترجمة، أين يذهب بعد الدراسة؟ علماً أن الرد البديهي هو بأن يقيد كمترجم قانوني في وزارة العدل، لكن المشكلة التي يجهلها الكثيرون أن الترجمة غير مقتصرة على الترجمة القانونية، فهناك الترجمة الأدبية والاقتصادية والسياسية ترجمة المؤتمرات والإعلامية و«الدبلجة» وترجمة الأفلام والترجمة الفورية، كما أن القنوات الإعلامية تلجأ إلى شركات من خارج الدولة خاصة في مجال دبلجة الأفلام، لذلك فرص المترجم الإماراتي قليلة، وليس الجميع مقيداً بوزارة العدل، أتمنى بأن يتم الاهتمام والأخذ بيد المترجم الإماراتي وإنقاذه من التيه الصادم في الواقع المرير.

مهنة إنسانية

وتدعو منى خالد العلمي باحثة ومترجمة إلى تشجيع المترجمين الإماراتيين على الانخراط بهذه المهنة الإنسانية، من خلال تسليط الضوء عليها عبر وسائل الإعلام والمنتديات والدورات التدريبية المتخصصة والمستمرة، التي تتيح تبادل الخبرات والمعرفة وتصقل خبراتهم التخصصية في المجال، فالترجمة شأنها شأن باقي التخصصات تتطلب معرفة تخصصية واسعة وفهماً عميقاً لثقافتين أو أكثر، وهي ليست مهنة منعزلة بل تتطلب تواصلاً حيوياً بين زملاء المهنة لتطوير الأسلوب والأداء.

وتضيف يجب على المترجم أن يكون حريصاً على أخذ المعرفة من مصادرها الغنية والصحيحة، لتتكون لديه ثروة فكرية هائلة تدعم عمله في مختلف المواضيع التي قد يصادفها على امتداد مسيرته المهنية، وتتطلب الترجمة قدراً هائلاً من المطالعة التي تبدأ من مرحلة الطفولة، وتمتد مع الإنسان وتتطور معه عبر السنين، لتكون المعرفة حصيلة أعوام عدة من البحث والقراءة.

ولتشجيع أجيال الغد على العمل في مجال الترجمة، تؤكد العلمي، على دور معلمي اللغة العربية ومعلمي اللغات بشكل عام في الصفوف الثانوية الذين يلاحظون تميز طلابهم ونبوغهم في اللغات لتوجيههم لدراسة الترجمة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p92euee

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"