عادي
منصات تحكي قصة الشغف بالقراءة

معارض الكتب.. بستان المعرفة

20:57 مساء
قراءة 6 دقائق

الشارقة: علاء الدين محمود

أصبحت الإمارات من أكبر الدول الخليجية والعربية اهتماماً بالكتاب والقراءة ومنصات الكتب، بل وصارت تزاحم الدول العالمية التي عرفت على مدى التاريخ بمعارض الكتب الكبيرة، وذلك في سياق حراك ثقافي متكامل ومترابط برعاية الدولة التي وضعت ضمن استراتيجياتها الأولوية للمعرفة والفكر والثقافة، واعتبرت أن الإنسان موضوع التنمية، ولها في ذلك الشأن العديد من المشاريع والمبادرات المتصلة بالقراءة والكتاب، وكذلك نجد أن المؤسسات الخاصة لها اهتمامها الكبير بالكتب ومعارضها ومناسباتها، في انسجام كبير مع سياسات وتوجهات الدولة تجاه الثقافة، حتى باتت معارض الكتاب الكبيرة من أهم المناسبات الثقافية في الدولة والتي تجد الإقبال من جميع فئات المجتمع وتحكي قصة 50 عاماً من القراءة والمعرفة.

لعل من أهم الجوانب الإيجابية في نشاط معارض الكتب في الإمارات وعلى مستوى العالم، أن القراءة لم تمت، بل ظلت حية وتجد في كل مرة إقبالاً كبيراً ليرتفع مؤشرها الذي يؤكد على أنها باقية كممارسة معرفية، وكذلك فإن الكتاب الورقي باق، بل ويكتسب أهمية جديدة، رغم ثورة المعلوماتية وانتشار التقنيات ومواقع التواصل الاجتماعي، والمؤلفات الإلكترونية، وهذا الأمر زاد من درجة الاهتمام بمعارض الكتب حول العالم بشكل عام، وفي الإمارات بصورة خاصة، حيث باتت من المناسبات التي تجتذب أكبر قدر من الجمهور، وشرائح المجتمع المختلفة صغاراً وكباراً، عائلات وأفراداً، حيث لا طبقية في المعرفة، بالتالي ساهمت هذه المعارض في ارتفاع مؤشر القراءة في الدولة، وكسب جمهور جديد للمعرفة، بل هنالك العديد من المبدعين والكتاب الإماراتيين ممن صاروا نجوماً لامعين في سماء الأدب في الدولة، بدأت علاقتهم مع الكتابة من خلال معرض الكتاب، ففي تلك الأوقات الباكرة التي ظهر فيها نشاط المعارض، لم تكن المطبوعات والإصدارات متوفرة بكثرة، بالتالي كانت المعارض موسماً للقراءة واقتناء المؤلفات، حيث شكلت رصيداً معرفياً لم ينضب نهل منه المثقفون والمبدعون في الإمارات، بالتالي تشكل وجدانهم المعرفي من خلالها، من مؤلفاتها وأنشطتها الثقافية المتنوعة، ويرجع إليها الفضل في كونهم صاروا أدباء يشار إليهم بالبنان.

سحر خاص

معرض الكتاب المستعمل الذي يقام في الشارقة، والذي يجد جمهوراً كبيراً، حيث يقدم المؤلفات التي كانت ضمن مكتبات أفراد ومؤسسات للجمهور بأسعار رخيصة وفي متناول اليد، وكل ذلك يؤشر على أن عملية عرض الكتب هي في الأساس فعل ساحر يجذب القراء الذين لم تكن لهم علاقة بالقراءة، ففي كثير من دول العالم تعرض الكتب في الأسواق القديمة وفي الشوارع، ذلك لأن منظر الكتاب جذاب ومغر، وهنالك العديد من العواصم العربية التي تولي اهتماماً خاصاً بالكتاب المستعمل في دمشق والقاهرة وبغداد وبيروت والخرطوم، وغيرها من المدن التي تتزين أسواقها وشوارعها بالكتاب، وفي مدينة الشارقة نظم المعرض في دورات عديدة، وعرضت الكتب بأسعار زهيدة في متناول الجميع، وكل ذلك ضمن استراتيجية تهدف إلى جعل الكتاب صديقاً للإنسان في سياق تشجيع القراءة، حيث إن من أبرز أهداف معرض الكتاب المستعمل، هو نشرِ الثقافة والمعرفة، وفي السنوات الأخيرة ظل هذا المعرض يجد اهتماماً أكبر في سياق الشارقة عاصمة للكتاب والثقافة.

معرض الشارقة

ويعد معرض الشارقة الدولي للكتاب، أبرز محافل الكتب في الدولة، بل وكذلك في الخليج والعالم العربي، فهو شامة في خد الثقافة الإماراتية والعربية، ومنصة تتطور في كل يوم منذ لحظة التأسيس عام 1982، حتى صار ضمن المعارض العالمية التي يشار إليها ببنان التقدير، وفي كل دورة جديدة يتجه عشاق القراءة نحو مركز إكسبو، حيث المقر الذي يضم بين جنباته الحفل الثقافي الكبير، من أجل كسب معارف جديدة، حيث يظل القراء في حالة انتظار وترقب كل عام لهذا الحدث الثقافي المختلف والأكبر الذي يوفر آخر إصدارات دور النشر المحلية والعربية والعالمية من الكتب والمؤلفات، وكذلك الأنشطة الثقافية والفنية والإبداعية المتعددة، وينفتح على التطورات الهائلة والكبيرة في مجالات التقنية والتطور التكنولوجي والرقمي، ليمثل كل ذلك الألق فصولاً من حكاية المنصة الأجمل في المنطقة، والقصة التي تتجدد فصولها ومشهدياتها في كل عام، حيث تحمل في كل مرة عبقاً جديداً بنكهات مختلفة يتعرف إليها القارئ داخل هذا البستان الفريد للمعرفة، حيث مثل ظهور المعرض في إمارة الشارقة دفعاً كبيراً للحراك الثقافي في كل الدولة، ومنعطفاً شديد الأهمية في علاقة مواطنيها ومقيميها بالقراءة، ففي تلك الأوقات من ثمانينات القرن الماضي، كانت عملية الحصول على الكتب شديدة الصعوبة، ويتم الاعتماد بشكل كبير على بعض المطبوعات والمؤلفات القليلة التي تأتي من الخارج وتباع في أماكن ومحال معينة، فكان ظهور المعرض في تلك الفترة بمثابة الحلم الذي تحقق، والذي غيّر كثيراً في المجتمع عبر المعرفة والثقافة، وزادت أعداد المهتمين بالقراءة وأصبحت هناك وفرة في الكتاب، ثم بعد سنوات أتت وفرة في دور النشر، وانتشرت المكتبات الخاصة والعامة، بالتالي ازدهرت القراءة وانتقلت نقلات كبيرة وصارت للجميع بفضل معرض الشارقة للكتاب.

معرضا أبوظبي والعين

يعد معرض أبوظبي الدولي للكتاب، واحداً من المنصات المهمة للكتب في الدولة، وهو الذي انطلقت أولى دوراته في عام 1981 برعاية المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، «طيب الله ثراه»، تحت اسم «معرض الكتاب الإسلامي»، واستطاع منذ ذلك الوقت أن يحقق تطوراً كبيراً وسمعة عالمية مرموقة كحدث ثقافي وتجاري، إذ صار جزءاً من الاستراتيجية التي تهدف إلى تحويل إمارة أبوظبي إلى وجهة رئيسية في عالم النشر، وهنالك طبعاً معرض العين للكتاب، الذي ينظمه مركز أبوظبي للغة العربية التابع لدائرة الثقافة والسياحة، والذي ظل منذ تأسيسه حدثاً ثقافياً ومنصة نهتم بالعديد من الإبداعات الفنية، مما جعله معرضاً متكاملاً يعكس العديد من الممارسات الأدبية والمعرفية والجمالية، ويقدم إضاءة ساطعة حول مدينة العين العريقة وإرثها الثقافي والتراثي، وظل المعرض يتطور كل دوراته ويواكب المتغيرات في عالم النشر والتقنية، ويقدم فرصة مميزة للجمهور للقاء أهم الكتاب والمؤلفين الإماراتيين، والتواصل معهم، ويعتبر منصة مثالية تستقطب الشباب المحب للقراءة، ويقدم برنامجاً مصمماً خصيصاً لبث روح الإبداع وحب القراءة بين الشباب في الإمارات العربية المتحدة.

معرض دبي

ودخلت إمارة دبي بقوة في عالم معارض الكتب من خلال تنظيمها للمعرض المختلف «بيغ باد وولف» وهو في الأصل معرِض كتاب سنوي دولي متنقل، انطلق عام 2009 في ماليزيا، ومنها إلى عدة مدن حول العالم، ويكتسب المعرض أهمية كبيرة ضمن أفضل منصات عرض وبيع الكتب في العالم، ليس فقط لأسعاره المخفضة؛ بل لأنه يحرص على توفير الكتاب للجميع، ولكل الفئات والطبقات داخل المجتمع الواحد، وهي فلسفة من شأنها أن تجعل نسب القراءة ترتفع في المنصات الدولية، فمن المعروف أن أسعار المؤلفات والمراجع مرتفعة، وصارت عملية القراءة نفسها محتكرة لدى الفئات ذات الإمكانات المالية، وإلى جانب أسباب أخرى، هجر الكثيرون الكتاب، وصارت قلة هي التي تمارس الاطلاع والقراءة، بالتالي فإن «بيغ باد وولف» يكتسب أهميته من كونه يتجه نحو تشجيع عملية القراءة مباشرة، لأنه يتوجه للفئات ذات الدخل المحدود، مما يشير إلى أن المعرض يحمل رسالة بدلالات ومعانٍ سامية، تهدف إلى خدمة البشرية جمعاء، عبر بناء جيل جديد من القرّاء باللغتين العربية والإنجليزية.

ولعل من أهم الأشياء التي جعلت دبي تهتم ب«بيغ باد وولف»، هو الانطلاق من ذات الفلسفة، وهي عملية تشجيع القراءة وجعلها متاحة للجميع، فقد أطلقت دبي العديد من المبادرات القرائية التي تهدف إلى خلق أجيال مزودة بالمعارف والعلوم والثقافة؛ لذلك حققت النسخة الأولى من المعرض عام 2018، والثانية عام 2019، نجاحات كبيرة، وكذلك الأخيرة، حيث إن الدورات التي عقدت في دبي تعد من أكثرها نجاحاً، بما توفر للمعرض من تسهيلات وللإقبال الكبير الذي شهده المعرض من كافة الجنسيات، لذا، فإن سر النجاح الكبير يكمن في التقاء فكرة المعرض، وفلسفة الدولة في تقدم المشاريع والخطط الاستراتيجية من أجل القراءة والمعرفة.

لقد جعلت كل تلك المعارض في الدولة، المعارف متاحة، والنشاط الثقافي مستمراً، وهذا توجه يستهدف عملية القراءة نفسها أن تصبح ثقافة وسلوكاً ينتظم الناس في حياتهم اليومية في مختلف أماكن عملهم ووجودهم، وتسهم كل تلك المعارض بوسائلها وتنظيمها بشكل كبير في نشر القراءة، مما يرفع وعي المواطن ويجعله يتقدم الصفوف في عملية بناء الدولة بروافع الفكر والثقافة والمعارف.

صناعة الأجيال

هناك المعارض التي ارتبطت بعدد من إمارات الدولة، والتي وجدت أن هنالك أهمية كبرى لصنع منصات تغري الناس بقراءة الكتب من أجل صناعة أجيال تؤمن بالمعرفة وتراهن على قوتها، ففي عام 2019، أقيم معرض أم القيوين للكتاب الذي نظمته الكلية الإماراتية الكندية الجامعية بعنوان «لبناء أمة تقرأ»، وكل تلك المعارض تضمن العديد من الفعاليات التي ستضيف أنشطة ثقافية مختلفة، بما فيها المحاضرات والدورات والأمسيات الشعرية وحفل توقيع الإصدارات الجديدة، مع اهتمام خاص بالمرأة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ycknm5pa

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"