ما بعد القمة العربية - الصينية

01:18 صباحا
قراءة 3 دقائق

عاطف الغمري

في ظروف دولية استثنائية من بعد حرب أوكرانيا، عقدت القمم العربية – الصينية بحضور الرئيس الصيني شي جينبينغ، ضمن ثلاث قمم، بدأت الأولى مع ملك السعودية سلمان بن عبدالعزيز، والثانية مع قادة الدول الخليجية، والثالثة جمعته بالقادة العرب في القمة العربية، لتمثل تطوراً مهماً للعلاقة بين الجانبين تنقلها إلى علاقة أعمّ وأشمل، مع تكتل أو تجمع يتسع جدول أعماله ليشمل قضايا شديدة التنوع على أجندة اهتمام الجانبين.

القمة عقدت فى إطار لحظة فارقة في تاريخ العلاقات، وفي تغير البيئة الدولية والإقليمية التي يوشك فيها النظام العالمي أن ينتقل إلى عالم تتعدد فيه القوى المؤثرة في النظام الدولى. وكانت آخر المؤثرات فيه هي حرب أوكرانيا التي بدأت تظهر من بين أهم نتائجها محركات ودوافع نحو عالم متعدد الأقطاب، وهو نفس ما قاله المستشار الألماني شولتس، من أن النظام العالمي من بعد حرب أوكرانيا لن يكون هو نفسه مثلما كان قبلها. ثم ما قاله شولتس في مقال بمجلة «فورين أفيرز»: «إن علينا الآن تفادي إغواء البعض للاندفاع نحو تقسيم العالم إلى تكتلات»، ويبدو أن نظرته بدأت ترصد حالة إقليمية من الانتقال إلى هذا النوع من التكتلات، كردّ فعل على انغلاق القوى الكبرى على مصالحها الذاتية، مهما تعارضت مع مصالح أصدقاء قدامى.

وتأتي القمة العربية – الصينية لتلتقي حول مفاهيم مشتركة، أهمها احترام السيادة الوطنية، وعدم تغيير الأنظمة بالقوة، وعدم التمسك بمقولة قوة كبرى إن قيمها هي القيم العالمية، التي يلزم أن يلتزم بها الآخرون.

إن لقاء مع قيادات عربية تستوعب مجريات العالم المعاصر، وتجمعها نظرة للمصلحة العربية الواحدة والمشتركة، لهذا التلاقي أو التجمع بعد أن استوعبت من علاقات دولية سابقة وحاضرة، ما كان يجري من الانكفاء على المصالح الذاتية من قوى دولية، ما جعل دولاً إقليمية أخرى تنوع من مساراتها الدبلوماسية، من دون الارتكان إلى علاقاتها مع طرف واحد. وهو ما كان شولتس أسماه بالتكتلات أو التجمعات، في خطوة تجمع الكل حول المصلحة الوطنية، وبمشاريع منتجة تعظم من قدرات دولهم.

والآن فإن العالم العربي، وكذلك الصين، مختلفان عما كانا عليه فى الماضي، فهناك الآن تلاقي الطرفين على ما يقربهما من بعضهما بعضاً، ومن البداية كان الاهتمام الأساسي للصين بالبترول العربي، وتطورت العلاقة تدريجياً إلى درجة عالية من الاعتماد المتبادل في إطار التبادل التجاري.

ولما كانت الصين تربطها مصلحة جيواستراتيجية مع منطقتنا، فإن هذه القمة تأتي لتنمية المصالح المشتركة بينهما، فهي مهتمة بتأمين موارد الطاقة مستقبلاً، وهي تعتبر أن التحدي القادم لها في العالم هو في ضمان الطاقة كمطلب استراتيجي لتنميتها الداخلية.

وبنظرة عامة إلى العلاقات العربية بشكل متكامل، فإن العلاقة ستظل متوازنة مع الصين وأمريكا، معاً، في الوقت نفسه الذي تعتبر فيه الولايات المتحدة أن الصين هي التي تمثل التحدي الاستراتيجي لها فىي آسيا، وفي العالم، ما يجعل القمة العربية – الصينية تشغل اهتمام الولايات المتحدة، وأيضاً في المتابعة المستمرة لها.

وإذا استعرضنا ما تمثله العلاقة العربية بالصين، فالملاحظ أن صادرات الصين للدول العربية كبيرة، لكن وارداتها منها ليست كبيرة، هنا تحتاج الدول العربية إلى تعاون أوسع يركز على الاستفادة من القدرات التكنولوجية للصين، ونقل خبراتها إلى الدول العربية وهو ما تحتاجه المنطقة لدعم التقدم الذي تشهده فى مشروعات ضخمة فى التنمية والبناء.

إن التقاء قادة عشر دول عربية معاً، مع الرئيس الصيني، يعد بمثابة تطور مرتقب للعلاقات العربية – الصينية.

وإذا كان هناك اهتمام صيني بإقامة شراكة استراتيجية مع العالم العربي، فإن أهداف التنمية العربية تلتقي معها عند هذه النقطة، خاصة أن هذه العلاقة تبنى في ظروف عالم يتجه نحو إعادة رسم خريطة العلاقات الدولية التي تقوم على الاحترام المتبادل، والمصالح التى تعود على الجانبين وفق مبدأ المصلحة الوطنية، مع ملاحظة أن الظروف الدولية التي أوجدتها تداعيات حرب أوكرانيا قد أوجدت متطلبات كبيرة وفق رؤية وطنية لمستقبل العلاقات، الإقليمية والدولية.

ومن المهم التأكيد على أن التوجه شرقاً ليس بديلاً عن العلاقات التقليدية والتاريخية مع الغرب، لكن ما يجري هو بناء للتوازن في العلاقات مع الجميع.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/nyevpe7p

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"