عادي
صورة شاعرية لموسكو عند الغروب

«الساحة الحمراء».. موسيقى من الألوان المسموعة

00:38 صباحا
قراءة 3 دقائق

الشارقة: علاء الدين محمود
المغامرات الفنية التي خاضها الفنان الروسي فاسيلي كاندينسكي «1866 – 1944»، والرؤى الجمالية والفكرية التي عمل عليها، جعلت منه واحداً من أبرز وأفضل رسامي القرن العشرين في مجال الفن التجريدي، أحد أهم المجددين والمبتكرين في حركة الفنون الحديثة، حيث إن كاندينسكي، عمل على تحشيد اللوحة بالأفكار والتعبير عنها بطريقة مختلفة وفريدة، الأمر الذي جعل منه رساماً وباحثاً نظرياً لعب دوراً أساسياً في تطور الفن التجريدي، وتنسب اليه جائزة كاندينسكي للفنون، ومن أشهر تصاميمه «كرسي».

غاص كاندينسكي، عميقاً في المفاهيم الفنية خاصة مبدأ اللا تصويري، أو اللا تمثيلي؛ أي «التجريدية الصافية»، التي هو أحد روادها الكبار، فكان الفنان الأكثر تميزاً ولمعاناً بين أبناء جيله، حيث مهد الطريق للمذهب التعبيري - التجريدي، ليصبح هذا التيار مدرسة الرسم المهيمنة والسائدة منذ ذلك الوقت، وأمام هذه العبقرية العجيبة أطلق عليه زملاؤه وأصدقاؤه عدة ألقاب منها: «أمير الروح»، و«الفارس»، تقديراً لإبداعه الذي لامس حد الجنون واللامعقول، وكان لتنقله وترحاله بين عواصم دول أوربية مثل ألمانيا وفرنسا أثر كبير في تكوين شخصيته الفنية وتفرده في صناعة أسلوب خاص به، وعندما خُيّر في نهاية القرن التاسع عشر بين أن يعتلي الهرم الأكاديمي ليعمل من خلال لقب بروفيسور، أو أن يختار أن يكون رساماً، لم يتردد بأن يتجه نحو طريق الفن.

لوحة «الساحة الحمراء»، هي إحدى الإعمال الفنية التي سكب فيها كاندينسكي، روحه ومشاعره، فكان من ضمن أهم منتجاته الإبداعية، وهي تنتمي إلى أسلوبيته التجريدية البديعة، فهو يقول: «كلما أصبح العالم مخيفاً أصبح الفن أكثر تجريداً»، بالتالي هو ابتعد عن تصوير الطبيعة والواقع من حوله، واتجه نحو فكرة التجريد الصافي والتعبير عن الواقع والطبيعة بالأفكار داخل العمل الفني، بالتالي فإن هذه اللوحة هي عبارة عن رسم يعبر عن قلب مدينة موسكو وبصورة خاصة الميدان الأحمر، حيث إن الفنان لم يقم بتصوير المكان بل استعاض بالرموز والأشكال وتوزيع الألوان للتعبير عن المدينة التي أحبها بشدة، فكان أن رمز لحركة الناس والمعالم التي يشتهر بها الميدان، حيث إن المكان له أهميته ويحتل مركزاً رئيساً في أفكار الفنان وبصورة خاصة موسكو التي يرى أنها تحتشد بالكثير من التناقض والتعقيد في تكوينها المعماري، وربما ذلك ما جعل الفنان يقول: «موسكو هي ازدواجية وتعقيد ومستوى عالٍ من الحراك والتصادم ومزج العناصر الفردية في المظهر»، وذلك ما أغراه لرسمها بطريقة يعيد فيها إنتاج تلك المدينة بالرؤية التي تكونت في ذهنه عنها.

وصف

ها هو مركز موسكو متمثلاً في ميدانها الشهير، المعروف بالساحة الحمراء داخل عمل فني يبدع فيه كاندينسكي، حيث يكاد الناظر يرى حركة الناس، ويسمع أصوات المارة والموسيقى المنبعثة من بعض المحلات والمقاهي على أطراف الميدان، حيث إن البقع اللونية ترمز إلى حركة الأشياء، كما تشير طريقة توزيع الألوان على أن الشمس قد أذنت بالمغيب بعد يوم حافل، وهذا التكوين المتلألئ المشبع بالحيوية الشديدة للألوان يجسد جمال وديناميكيات موسكو كما يراها الفنان، الذي يقول: «الشمس تذوب موسكو كلها في قطعة واحدة، هذا التوحد باللون الأحمر ليس أفضل ساعة في موسكو (الغروب)، إنها فقط الوتر الأخير من سيمفونية تشرح الحياة النهائية في كل نغمة، مما يجعل صوت المدينة بأكملها مثل أوركسترا عملاقة، وهذه المنازل الوردية، والأرجوانية، باللون الأزرق، والأخضر الفستقي، والأحمر الناري، تمثل كل واحدة منها أغنية منفصلة، وهنالك عشب أخضر هو بمثابة نغمة منخفضة من الأشجار، أو غناء ثلجي بآلاف الأصوات المختلفة أو نغمة من الأغصان العارية، فيما تبدو الحلقة الحمراء لجدار الكرملين قاسية وثابتة وصامتة، مثل صرخة مبتهجة لمن نسي العالم بأسره»، وذلك الوصف من قبل كاندينسكي، يبرز تلك الشاعرية التي اشتهرت بها لوحاته، والتي تتحشد بالألوان والموسيقى والشعر.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2jtuczcb

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"