وداعاً . . يا أبا خالد

05:33 صباحا
قراءة دقيقتين

أكتب هذه الكلمات، بأسى بالغ وألم فائق، وأشعر بغياب الأخ والصديق عبدالله عمران، إنني فقدت شيئاً من نفسي، وصفحة من ذاكرة العمر، لنحو نصف قرن، مع المرحومين تريم وعبدالله، عشناها معاً، صدقاً ووفاءً، وانحيازاً للوطن وللكلمة الطيبة، ولدورها المؤثر في تشكيل الرأي والوجدان والعلاقات الإنسانية .
أكتب بحزن عميق، وشريط الذكريات يملأ فضاء العقل، منذ أيام الجامعة، ورحلة البدء في العمل الصحفي، وسيرة عبدالله في تأسيس التعليم في الإمارات في مرحلة الاستقلال والاتحاد، وإعادة إحياء "الخليج" بعد توقف امتد لنحو عقد من الزمان . وحواراتنا الممتدة، وإيماننا المشترك بقدرة هذا الوطن على الوحدة، وأمتنا على النهوض والتصحيح .
لم توهن عزيمتك، مغادرة رفيق الدرب تريم إلى دار البقاء، ولا تطرق القنوط إلى صدرك أمام مصاعب الإبحار في عالم الصحافة الملتزمة .
كنت تدرك يا أبا خالد تماماً الحس الشعبي القادر دوماً على التصويب، ولو على المدى الطويل، وكنت دوماً الحريص على استقلالية "الخليج"، وعلى التعبير عن نبض الشارع .
وكنت وطنياً بامتياز، وشاهداً على تاريخ الوطن، وحالماً بعالم عربي بلا احتلال ولا فساد ولا تخلف، ومدن عربية بلا سجون رأي، وحياة كريمة من غير ظلم ولا طغاة ولا غلاة، ووطن كبير معافى وبلا حدود .
صمدت "الخليج" وأخواتها، بعد تريم، بعزيمتك وإرادتك القوية، وكنت تدرك تماماً حقائق الجغرافيا والتاريخ ومتغيرات الأزمنة والرجال، وتغلبت على الألم النفسي، ونسجت علاقات إضافية، ووفرت لمن حولك في العمل، المناعة والأمل وفضاءات من الإبداع والتطوير .
أحياناً كنت استشعر فيك وحدانية شديدة، وتقول لي "كلمة الحق يا يوسف ليست أمراً مستساغاً في عالمنا العربي" . تقولها بأسى، وفي آخر مكالمة هاتفية، قلت لي: لديّ كلام كثير، أريد أن أحدثك فيه، وطلبت مني الحضور" . . . ومن أسف، ها هو الموت يسبقنا، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
سيتساءل أحفادك ذات يوم، لماذا اخترت طريق الصحافة، الطريق الوعر والمسكون بالقلق والتوتر والأشواك، والتماس مع أوجاع "القلب"؟ والسهر والتنقيب والبحث، والتعامل اليومي مع "مرارات" ما يصنعه الإنسان في الأوطان وأخيه الإنسان؟
ماذا أقول لخالد وعمران وأميرة وعائشة؟ وبأي كلمات أعزي أم خالد، وفي ذاكرتي الآن، رحيل أم تريم قبل أقل من عام، ورحيل تريم قبل عشر سنوات، كيف أعزي أصدقاء كثر لأبي خالد، هنا وفي العالم العربي، فتح لهم ولأقلامهم قلبه وصحيفته، في أزمنة كانت فيها أقلامهم مقموعة في بلادهم؟
ماذا أقول، للعاملين في "الخليج" وهم يذرفون الدمع الغزير على رحيل رجلهم "ونوخذتهم"، إلا أن أعزيهم وأدعوهم لشحن العقول والهمم لمواصلة إثراء العمل، ومواصلة حمل رسالة تريم وعبدالله، التزاماً وطنياً وقومياً خالصاً، وقلماً وانتماء وهوية .
ستبقى يا أبا خالد، جزءاً عزيزاً من ذاكرة الشارقة، وذاكرة الإمارات التي لا تخبو، وسيظل غيابك الجسدي حضوراً في وجدان محبيك وأصدقائك، وسأفتقدك كثيراً كثيراً .
وسلام الله عليك، "تلك الدار الآخرة، نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً، والعاقبة للمتقين" .
"إنا لله وإنا إليه راجعون"

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"