لندن مكان الأثرياء فقط!

22:01 مساء
قراءة 4 دقائق

إيلينا سينيسكالكو *

استأجرت شارلوت، البالغة من العمر 25 عاماً وتعمل في مجال العلاقات العامة، غرفة صغيرة ضمن منزل مشترك مع ستة مستأجرين آخرين في حي «باوندز غرين» شمال لندن العام الماضي، لقاء 780 جنيهاً استرلينياً في الشهر، شاملة الفواتير. ومع ازدياد معدلات التضخم، رفعت صاحبة المنزل الإيجار إلى 875 جنيهاً استرلينياً، وأخبرت شارلوت بوضوح أنه إذا لم يكن بمقدورها تحمل هذا المبلغ، فستجد شخصاً آخر قادراً على ذلك.

وجدت شارلوت نفسها تنسحب شيئاً فشيئاً من الوسط الاجتماعي، وبدأت تشعر بالعزلة على الصعيدين المالي والوجداني، وتوقفت عن رؤية الناس في المقاهي والمطاعم تقليصاً للنفقات، فمعظم أموالها تذهب لإيجار تلك الغرفة.

وفي مطلع هذا العام، تفاقمت الأمور أكثر، فقررت شارلوت مغادرة لندن والانتقال إلى قرية في ضواحي مدينة ساوثهامبتون، مقابل 650 جنيهاً استرلينياً في الشهر. وحافظت على وظيفتها في لندن، التي أصبحت تزورها يومين فقط في الأسبوع، وهي اليوم أكثر استقراراً وسعادة من السابق.

شارلوت هذه، ما هي إلا واحدة من بين كثيرين يروون لنا قصصاً مماثلة عن مغادرة المستأجرين من الشباب الموهوبين العاصمة البريطانية بأعلى معدل منذ عقد. في العام الماضي، قرر 40% من الأشخاص المنتقلين حديثاً إلى منازل جديدة في لندن مغادرتها لارتفاع الإيجارات بشكل كبير، ونزح معظمهم بالفعل إلى مقاطعات مجاورة مثل كينت أو إسيكس أو سري.

ويبلغ متوسط الإيجار في لندن الآن نحو 2100 جنيه إسترليني، أي أكثر من ضعف المتوسط الوطني البالغ 987 جنيهاً إسترلينياً. ويقول سيمون باث، الرئيس التنفيذي ومؤسس «iPlace Global»: «في المناطق المتاخمة للندن، مثل تاندردج، وإبنغ فوريست، وسفن أوكس، يبلغ متوسط الإيجار 1300 جنيه إسترليني، وهو أقل بمقدار 800 جنيه من العاصمة».

ووفقاً لبحث أجرته شركة «دولفين ليفينغ»، يعمل أكثر من ثلث المستأجرين في لندن أوقاتاً إضافية، وخفّضوا نحو 36% من احتياجاتهم الضرورية، وباع ربعهم مقتنيات ما، ليتمكنوا من سداد فواتيرهم الباهظة. ووسط هذه الخلفية، ليس من المفاجئ أن تغادر أسراب الناس مدينة الضباب بحثاً عن مأوى محمول التكاليف.

لطالما أدى ارتفاع الأسعار إلى تآكل الأموال الموجودة في جيوب الناس وإلى تفاقم أزمة السكن بالفعل. وقد أظهرت الأرقام الجديدة الصادرة عن مكتب الإحصاءات الوطنية البريطاني أن النمو القياسي للأجور لم يكن ليلغي هامش التكاليف المرتفعة. وهنا يلاحظ نيك باوز، الرئيس التنفيذي لمركز الأبحاث المتخصص «سنتر فور لندن»، كيف بلغ عدد سكان لندن من المستأجرين أعلى مستوى له منذ السبعينيات، ومع ذلك، لم تبن المدينة أي مناطق سكنية جديدة في أي مكان للتعامل مع أزمة السكن.

وعلى الرغم من الكثافة الحالية التي تشهدها لندن من حيث إعادة تنقل المستأجرين، فإن الاتجاه ليس بالجديد، ولطالما شكّل أزمة مستمرة ولفترة طويلة. ففي عام 2010، وبحسب «سنتر فور لندن»، غادر حوالي 550 ألف بريطاني لندن، أي أكثر بكثير من الذين انتقلوا إليها.

بعض هذه التحركات هي مجرد جزء طبيعي من دورة حياة مدينة كبرى، ومع تقدم الأشخاص في حياتهم المهنية وتغير الأولويات، كالزواج والانتقال للعيش مع الشريك، وإنجاب الأطفال، وغير ذلك، من الطبيعي أن يقرر البعض الانتقال إلى مناطق يمكنهم فيها تحمل استئجار مساحات أكبر. ولطالما كان الأمر على هذا النحو. لكن الآن هناك الكثير من الأشخاص في العشرينات من العمر، مثل شارلوت، يغادرون. وأصبحت هذه الديمغرافيا هي الاتجاه السائد لمن يرغب بالعيش في وسط المدن الكبرى.

إن إحدى الحلول لخفض أسعار الإيجارات، بخلاف ضبطها، هو البناء، لكن هذا لا يعني بالضرورة المزيد من ناطحات السحاب في حي شورديتش. فلو كانت المناطق في الضواحي المجاورة مجهزة بمزيد من المساكن، لن يضطر الناس إلى الانتقال بعيداً نسبياً إلى إسكس، أو غيرها، وبالتالي فترات أقل يقضونها على الطرقات وصولاً إلى المركز للمشاركة في اقتصاد المدينة بالطريقة التي يحتاجها أي رأس مال بعد الجائحة. لكن هذا السكن ببساطة غير موجود بالنظر إلى نقص الاستثمار التاريخي في القطاع.

تشير الأرقام والتوقعات إلى استمرار هذا النزوح الجماعي من لندن، فقد أبدى ربع المستأجرين من جيل الشباب الصيف الماضي رغبتهم بمغادرة المدينة في غضون الاثني عشر شهراً المقبلة، وذلك وفقاً لبحث أجرته شركة «بوكيت ليفينغ» العقارية. وأكثر من نصف هؤلاء قالوا إنهم مجبرون على ذلك وليس لديهم خيار لعدم قدرتهم على تحمل التكاليف.

ومع نزوح الكثيرين، ووجود عدد أقل من الأشخاص الذين يتنافسون على اقتناء منازل وغرف في العاصمة البريطانية، قد تتباطأ الزيادة في أسعار الإيجارات. لكنها ليست الطريقة المستدامة الصحيحة لخفض الإيجارات؛ ولا ينبغي لنا أن نقبل بآليات وقوانين نخسر فيها جحافل الشباب وإمكاناتهم.

يحتاج سوق الإسكان الأوسع إلى اقتناص الفرص في الأماكن التي يمكن أن يتحسن فيها، بدلاً من توقع قرارات السياسيين. وبالنظر إلى الحاصل حالياً، تخاطر لندن بأن تصبح مكاناً للأثرياء فقط، وهو شعور كئيب لمدينة اعتادت كسب قوتها، فوق كل شيء، من تنوعها.

* كاتبة في «سيتي إيه إم»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3wzf8wdy

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"