3 دروس من التجربة المصرية للمستقبل

05:02 صباحا
قراءة 4 دقائق
انتخاب المشير عبد الفتاح السيسي وتسلمه رئاسة مصر في انتظار الانتخابات البرلمانية بعد أن تم الاستفتاء الشعبي على الدستور الجديد، تأكيد على أن خريطة الطريق التي أعلنها السيسي نفسه عقب ثورة يونيو من العام الماضي تسير على طريق التنفيذ . وهذا يعني على الأرجح أن أغلبية المصريين طووا صفحة الإخوان المسلمين، لاسيما وأن المؤشرات تشي بأن قادتهم لن يخرجوا من السجن في وقت قريب .فمن عادة رؤساء الجمهورية لدى استلامهم السلطة أن يصدروا أحكاماً بالعفو على المسجونين لاسيما السياسيين منهم ،لكن في الحالة المصرية لم يحدث ذلك بعد، وإن حدث فإنه لن يشمل الإخوان المسلمين كما بات واضحاً من تصريحات السيسي خلال معركته الانتخابية .
ما حدث مع الإخوان المسلمين في مصر تاريخي بامتياز . فهم، كما هو معلوم، الحزب الأقدم (منذ العام 1928) والأكثر تنظيماً في مصر والذي يضم العدد الأكبر من المنتسبين المنظمين المطيعين للمرشد ناهيك عن المحبذين والمؤيدين، وله امتدادات إقليمية ودولية . وكان يستعد للوصول إلى السلطة منذ عقود طويلة رغم الملاحقة والاضطهاد الذي تعرض لهما .
ووصوله إلى الرئاسة في العام 2012 عبر انتخابات شعبية كان حدثاً تاريخياً ينتظره ويحلم به منذ وقت طويل . لكنه ما أن وصل إليها حتى بدأ يتلقى الضربات الموجعة، ومعظمها سددها بنفسه لنفسه نتيجة الأخطاء التي راح يراكمها في زمن وجيز .
الضربة الأولى كانت في الاقتصاد الذي أخذت تصدر منه المؤشرات السلبية واحداً تلو الآخر (لا سياحة ولا استثمارات ولا خطط واعدة î) ما دفع الخائفين على مستقبلهم إلى التذمر والتكتل فنشأت حركة "تمرد" واشتد عودها بشكل متسارع إلى أن تمكنت من جمع ملايين التوقيعات على عريضة ضد الحكومة الإخوانية قبل أن تنجح في استنفار عشرة ملايين مصري دفعة واحدة في طول الخريطة المصرية وعرضها لاسيما في ميدان التحرير رمز الثورة على حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك . وهكذا كانت ثورة يونيو التي طالبت الرئيس مرسي بأن "يرحل" والتي اعتبرت تصويباً لمسار ثورة يناير التي أسقطت الرئيس مبارك . أما الضربة القاصمة التي تلقاها الرئيس مرسي، ولم يكن يتوقعها البتة، فكانت تدخل الجيش في الثالث من تموز/يوليو 2013 لعزله بتفويض من جماهير ميدان التحرير وإعلان خريطة طريق للانتقال السياسي .
الآن وقد تسلم الرئيس السيسي السلطة فثمة دروس ثلاثة كبرى يمكن استخلاصها من الفشل الإخواني، علّه لا يتكرر في المرحلة الجديدة .
الدرس الأول، هو أن الحكومات الإيديولوجية لم تعد تقنع الجماهير العربية . خطأ مرسي، ومعه المرشد الأعلى للإخوان محمد بديع، هو الاعتقاد بأن نجاحه في انتخابات العام 2012 عكس ولاءً شعبياً له وللإيديولوجيا الإخوانية . والحقيقة أن الشعب المصري المتدين عموماً، والسيسي نفسه متدين بالمناسبة، صوّت ضد النظام القديم ومن أجل "حزب الحرية والعدالة" (نافذة الإخوان الانتخابية) الذي تمير بأن لا أحد من رجالاته كان من بين الزمرة الفاسدة الحاكمة . لم يطلب الشعب من مرسي سوى إدارة عادلة وفاعلة للبلد تخرجه مما هو فيه من فوضى وتسلط وفقر . لكن مرسي لم يقدم سوى الإيديولوجيا والمزيد منها . لقد صوت المصريون ل"الإسلام هو الحل" على أساس فهمهم للدين الحنيف بأنه دين رحمة وتسامح وحرية ومساواة . هم لم يصوتوا لرئيس أو حزب كي يعلمهم كيف يرتدون الحجاب والزي ويصلّون ويتصرفون في حياتهم اليومية والخاصة . فالمسلم الورع هو من يهتم بعلاقته مع ربه أما الإخوان المسلمون فتصرفوا على أنهم يهتمون بعلاقة الآخرين مع ربهم . لقد طلب المصريون من حكم مرسي الكفاءة والعدالة من أجل تقدم البلد، لكنه أعطاهم الانطباع بأنه لايهتم بالبلد قدر اهتمامه بالأمة الإسلامية، وبحسب فهمه الخاص لها، الأمر الذي يشكّل ترفاً في غير وقته بالنسبة إليهم .
الدرس الثاني، والمرتبط بالأول، أن الشعب المصري لم يعد يحبذ الذهنيات الحزبية الضيقة لاسيما عندما تصل إلى أعلى هرم السلطة . لم ينجح الإخوان في تشكيل تحالف واسع مفتوح على المسيحيين والليبراليين واليساريين والناصريين بل إنهم أخفقوا في صياغة تحالف بين الإسلاميين أنفسهم بتياراتهم المختلفة . فحين أعلن وزير الدفاع السيسي عما سماه الإخوان بالانقلاب العسكري، وقف إلى جانبه بابا الأقباط وشيخ الأزهر وزعيم حزب النور وممثلون عن تيارات سياسية مدنية .
لقد اكتسب الإخوان عادات الفرق والخلايا المنكفئة على نفسها نتيجة عملهم السري عندما كانت السلطات تلاحقهم وتنكّل بهم، وتملّكتهم هذه العادات فأعاقت قدرتهم على الانفتاح عندما وصلوا أخيراً إلى السلطة فتسببت عندئذ بخروجهم السريع منها .
الدرس الثالث، هو أن المصريين لم يعد يهمهم ما يفكر به الخارج . فكل الأموال التي كانت تصل للإخوان، مع الدعم السياسي لاسيما الأمريكي، لم يمنعهم من النزول إلى ميدان التحرير وإسقاط الرئيس مرسي .
على الحكم الجديد أن يأخذ بدروس السقوط المدوي لسلفه حتى لا يقع في أفخاخ شبيهة بهذا الفخ مثلث الأضلاع المكوّن من الإيديولوجيا والذهنية الضيقة والنفوذ الأجنبي الذي وقع فيه الإخوان .


د . غسان العزي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"