تعامل الدولة العربية مع شبابها

05:38 صباحا
قراءة 3 دقائق
من المتفق عليه في الكثير من الأدبيات السياسية العربية أن نظام الحكم الذي تدار به الدولة العربية في أغلب الوطن العربي، ومنذ القدم، قائم على مفهوم حكم الغلبة .
من هذا المنطلق تصبح الدولة دولة ريعية تتوزع خيراتها من قبل الحكم، وعلى أساس مقدار الولاء والزبونية والانقياد لصاحب الثروة .
ولذا، عندما طرح في اجتماع ضمَّ خبراء ومفكرين سؤال يتعلق بماهية السياسات التي تتبنًّاها الحكومات العربية تجاه رعاية الشباب العرب وماهية نتائج تلك السياسات، كان جوابي الشخصي بأنه، في الواقع، لا توجد سياسات، وإنما توجد سياسة واحدة تتلخَّص في ضرورة احتواء شباب الأمًّة تحت جناح سلطة الحكم . قد تتجلًّى تلك السياسة في صور شتًّى ولكنها تبقى في حقيقتها سياسة واحدة .
وتحقًّق الدولة العربية ذلك الاحتواء من خلال أدوات وطرق متعددة .
فمن خلال وزارات الشباب والرياضة يتمُ الصهر والإشراف، الثواب والعقاب، الأولويًّات والممنوعات والتوجيه والإغواء . ولذلك فالرياضة، البعيدة عن السياسة والتساؤلات، تحظى بالرعاية الأكبر، بينما الثقافة المملوءة بالتساؤلات وإيقاظ الفكر والضمير، تحصل على الرعاية الأدنى .
أما لعبة الجزرة والعصا فتمارس من خلال الأجهزة الأمنية التي تحصي كل شاردة وواردة، كل الطموحات والأحلام والمواقف . فالدخول إلى الجامعات والحصول على البعثات . وامتلاك جواز السفر، والالتحاق بوظيفة، والترقيات وأمثالها يقررها التقرير الأمني وتوصياته وتحذيراته .
وفي عالم الإعلام المقروء والمسموع والمرئي يمرر إلى ذهن الشاب الغض البريء كل ما يوجه ويسيطر ويخدع ويشوش ذهنه ومشاعره ونفسيته ليبقى مستسلماً للوضع الذي يعيشه وقابلاً لمحدداته ومبرراً لنواقصه .
ثم هناك مؤسسة فقهاء السًّلاطين بعدم الخروج على طاعة وليًّ الأمر كي لا تكون فتنة . وإذا أريد غمس المجتمع في فتنة طائفية فإنًّ لديها التاريخ وكتب التراث وأساطير الصًّراعات السًّابقة وكل الرمزيات والتفاسير الدينيًّة لتغرف منها جميعاً ما تشاء .
عن نتائج تلك السياسة أشرت إلى المفارقة المذهلة لحصيلة تلك السياسة الاحتوائية وأدواتها الهائلة، والتي مورست عبر عقود طويلة منذ استقلال الدولة العربية . . الحصيلة التي تمثًّلت في ثورات وحراكات الربيع العربي، الرًّافضة لكل ما قامت عليه سياسة الاحتواء تلك، بل والرافعه لشعارات تغييرية جذرية كبرى .
لا يمكن تفسير تلك المفارقة إلا بتأكيد أن سكون شباب الأمة العربية عبر السنين لم يكن نتيجة بلادة فهم أو قبول بخطابات الاحتواء المتعددة . لقد أثبتت أكثرية شباب الأمة العربية بأنها كانت تختزن في داخلها خطابات أخرى هيًّأتها لذلك الألق الذي أضاء سماء العرب قبل أربع سنوات .
لذا فإن أيًّ تقرير سيصدر من أية جهة بشأن تمكين الشباب العربي يجب أن يشير إلى أن الخطابات السًّابقة، في شكل دساتير وقوانين لا تطَبق ولا تحترم، أو في شكل إعلام ترفيهي مضلًّل، أو في شكل توجُّه للولاء الخطأ أو للزبونية الانتهازية . . . مثل هكذا خطابات ذهب زمانها . المطلوب هو الفعل الصًّادق الشفًّاف المبني على مبادئ المواطنة والعدالة والتساوي في الفرص، الفعل المعبّر عن الحق الطبيعي والإنساني والإلهي وليس عن المكرمات والاستجداء والعطايا المذلة للكرامة الإنسانية .
لنعد إلى المقدمة لنطرح السؤال التالي: هل هكذا دولة ريعية، مثقلة بنفقات عسكرية تزيد أحياناً عن ضعف المتوسط العالمي، مبتلاة بضعف وتخلُّف الإرادة السياسية لإدارة النزاعات المذهبية والإثنية والقبلية التي تتفاقم وتهدد الوجود العربي؟ هل هكذا دولة يعتمد عليها لبناء جماهير شبابية عربية مستقلة في فكرها، حرة في ممارسة التزاماتها المدنية، مساهمة في عملية التنمية الإنسانية، متجددة في ثقافتها ومتفاعلة مع حضارة عصرها؟
دعنا نكون صادقين مع النًّفس: سواء تحدثنا عن الشباب أو المرأة أو الفقر أو الانتقال إلى عالم المعرفة أو أهداف الوحدة العربية والحرية أو الاستقلال الوطني أو القومي فإننا في النهاية سنعود إلى إشكالية الدولة العربية التي عجزت عن أن تحل المسألة التي تقوم عليها شرعية سلطتها لتصبح شرعية ديموقراطية عادلة في السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة .

د . علي محمد فخرو

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"