حلب وغياب المشروع العربي

01:29 صباحا
قراءة 3 دقائق
نبيل سالم
ما يجري الآن في سوريا، ولاسيما بعد الأحداث الدامية التي شهدتها مدينة حلب، رغم أنه كشف مدى العري الأخلاقي لكل من ساهم في قتل المدنيين المسالمين، أياً كان موقعه، وعجز المجتمع الدولي عن حماية الأبرياء الذين يسقطون بنيران الأطراف المتصارعة بلا ثمن، إلا أنه يثبت من دون أدنى شك أيضاً، أن الساحة السورية تحولت إلى منصة تتصارع فوقها برامج سياسية ومشاريع دولية كثيرة، ومتناقضة، سيدفع الشعب العربي في سوريا فاتورتها الأكبر.
فبعد أكثر من خمس سنوات من الصراع الدموي في هذا البلد، يبدو أن هناك شبه استحالة لحسم الصراع بالطرق العسكرية بشكل نهائي، وإن كان هناك إمكانية لمثل هذا الحسم، فإنها ستكون مكلفة جداً لجميع أطراف الأزمة السورية، سواء على المستوى الداخلي، أو الإقليمي، لاسيما مع دخول عامل الإرهاب، واستغلال التنظيمات الإرهابية لهذا الواقع المؤسف.
ومع أن العامل الخارجي، واستغلال القوى الخارجية للحراك الشعبي العربي، مع موجة ما يسمى (الربيع العربي) كان حاضراً منذ البداية، إلا أن انغماس كل من روسيا وإيران في الأزمة السورية بشكل مباشر، وتدخل أطراف إقليمية أخرى، أخذا هذه الأزمة إلى خانة الصراعات الدولية الخطرة، خاصة في ظل تباعد المواقف، والاحتقان الملحوظ بالنسبة إلى العلاقات الروسية الغربية، التي تشهد توتراً واضحاً على خلفية الأزمة الأوكرانية، وملفات عدة أخرى. وما ينطبق على التدخل الروسي ينطبق أيضاً على التدخل الإيراني والتركي والأمريكي المباشر في النزاع، رغم محاولة هذه الأطراف شرعنة تدخلها بذريعة العلاقات التي تربط بعضها بدمشق، تارة، كما هو الحال بالنسبة إلى موسكو وطهران، أو المخاوف من امتداد الصراع، كما هو الحال بالنسبة إلى تركيا، أو حماية مصالحها بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وهي تدخلات خارجية غيبت حتى دور الأطراف السورية بشكل واضح.
ويزداد المشهد تعقيداً إذا ما أخذنا في الاعتبار العامل «الإسرائيلي»، وتلميح أكثر من مصدر «إسرائيلي» مع موسكو، في ظل انحسار ملموس للدور الأمريكي، الذي عولت عليه بعض أطراف المعارضة السورية، ولاسيما تلك التي توصف بالمعتدلة، فضلاً عن وجود تفاهم روسي تركي معلن، قوامه تفهم موسكو لمخاوف تركيا إزاء التمدد الكردي في شمال سوريا، مقابل صفقات اقتصادية بين الجانبين، ومصالح مشتركة بين الطرفين.
بمعنى آخر، يمكن القول إن الأزمة السورية باتت أشبه بالكرة التي تتقاذفها أقدام القوى الإقليمية والدولية، في ظل عجز العرب عن إعداد مشروع عربي، يكفل حل الأزمات العربية في إطار عربي، ويأخذ في الاعتبار المصالح الوطنية العربية، الأمر الذي من شأنه فتح أبواب الصراع على مصاريعها، ويهدد بأفغنة الصراع الدموي في سوريا، خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار رغبة الغرب ولوج الروس أكثر فأكثر في المستنقع السوري الخطر، الذي يعيد إلى الأذهان تورط الاتحاد السوفييتي السابق في أفغانستان، كأن هناك تصفية حسابات بين موسكو والغرب، رغم الاعتراف بالدور الذي تلعبه العلاقات الاستراتيجية القديمة التي تربط بين سوريا وروسيا على مدى عقود طويلة، في سيرورة هذه العلاقات وتطورها. زد على ذلك اقتناع روسيا بأن سوريا تمثل آخر موضع قدم لها في المنطقة، ولا سيما بعد انهيار المنظومة الاشتراكية.

والحقيقة التي لابد من التوقف عندها بإمعان، هي أنه انطلاقاً من هذا الواقع الجيوسياسي المعقد، تبدو الأزمة السورية طويلة، بل وتحمل في ثناياها خطر الانتشار إلى أبعد من الجغرافيا السورية، نظراً لتنامي دور الإرهاب العابر للحدود، وانتهاز التنظيمات الإرهابية الفرصة لتعزيز أنشطتها التخريبية الإرهابية، المستندة إلى أجندات خارجية، وهو أمر يدعو، وبشكل ملح، إلى بلورة مشروع عربي فاعل، خاصة أن كل الأنظمة العربية التي طالتها موجة ما يسمى ب«الربيع العربي»، فشلت في معالجة أزماتها بمفردها، بل وغرقت في صراعات أقرب ما تكون إلى الحروب الأهلية، والصراعات الطائفية مع الأسف. وإذا كانت الأطراف الدولية الفاعلة قد استطاعت حتى الآن حصر النار السورية في إطار الحيز الجغرافي لهذا البلد، فإن هذا النجاح لن يستمر، في ظل تنامي خطر الإرهاب وتنقله الملحوظ من ساحة إلى أخرى.
واخيراً وليس آخراً لابد من القول إن استمرار الصراعات العربية والتدخلات الدولية فيها، ستطيح الأمن العربي كله، ما لم يسارع العرب لاحتواء الحرائق المنتشرة هنا وهناك، والعمل بجدية من أجل حل سياسي للأزمة السورية.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"