«إسرائيل» المنزهة في قائمة بان كي مون

03:18 صباحا
قراءة 4 دقائق
عائشة تريم

في عام 2009، أصدر مجلس الأمن الدولي قراراً يقضي بمحاسبة الدول التي تُنتهك فيها القوانين الدولية المتعلقة بحقوق الطفل بسبب النزاعات المسلحة على أراضيها.
ومنذ أيام، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عن قائمة سوداء تضم دولاً خرقت هذه القوانين خلال العام المنصرم. وقد تضمنت القائمة أسماء مجموعات مسلحة تتسبب بصراعات دامية وتؤدي إلى انتهاكات فظيعة لحقوق الطفل. وقد مثل في القائمة على سبيل المثال لا الحصر دول مثل أفغانستان، والعراق، وسوريا، واليمن ودول من القارة الإفريقية ودول أخرى يتعرض فيها الأطفال لشتى أنواع الانتهاك ما عدا «إسرائيل»!
أليس القرار الذي أصدره بان كي مون مثيراً للسخرية؟ أو لم يكن من الأفضل للقرار ألَّا يكون أساساً إذا كانت «إسرائيل» ستستثنى منه؟
فلنَعُد إلى العام الماضي حيث الصور التي تمزق الطفولة وتنتهك براءتها وتقتل أحلامها لا تزال محفورة في الأذهان. فخلال ذلك العام شنَّت «إسرائيل» على قطاع غزة عملية «الجرف الصامد» التي استمرت 53 يوماً متواصلة. وفي ذلك الوقت أفادت تقارير «منظمة اليونيسيف» بأن العملية الهمجية أودت بحياة 557 طفلاً، وتسببت بجرح 4249 طفلاً آخر منهم ألف طفل أصيبوا بإعاقات وعاهات دائمة.
ليس هذا فحسب، بل إن الهجوم الذي طال المدنيين في كل أنحاء القطاع، أدى إلى تدمير 22 مدرسة تدميراً كاملاً وأحدث أضراراً جسيمة بقرابة 200 مدرسة.

وتحت دوي المدافع وأزيز الطائرات، علا حينها صوت رئيسة مكتب منظمة اليونيسيف في قطاع غزة بيرنيلا أيونسايد التي عقدت مؤتمراً صحفياً قالت فيه: «لم يعد في غزة عائلة واحدة لم تُفجع بموت فرد من أفرادها أو إصابته بجروح بليغة، كما لم يبقَ في غزة أسرة لم يدمر منزلها أو يصب بأضرار تسببت بنزوحها وتشريد أطفالها».
إن تلك الوقائع المخيفة التي توثِّق حقد حكومة الاحتلال تجاه أطفال غزة في العام الماضي وحده وانتهاكاتها الفظيعة لحقوقهم، كافية أن تجعل اسم «إسرائيل» يدرج في قائمة الأمم المتحدة المنحازة!
لكن، دائماً هناك مبررات، فقد أرجع مسؤولو المنظمة الدولية سبب استبعاد «إسرائيل» من القائمة السوداء إلى «اختلاف الآراء بين أولئك الذين كانوا في غزة أثناء القصف»! كيف يمكن أن يختلف اثنان أمام حقائق دامغة لا تحجبها شمس؟ وكيف يمكن أن ترجح كفة هذه الآراء المتباينة على أعداد الأطفال الذين قتلتهم حكومة «إسرائيل»؟
إن العالم يتحدث عن حقوق الإنسان ووجوب الدفاع عنها في أي دولة إلا في «إسرائيل»، كما أن القوانين الدولية يمكن أن تطبق في كل مكان ما عدا دولة الاحتلال! كذلك فإن ردود الفعل الإنسانية السريعة تجاه الكوارث والجرائم قد نراها في كل مكان إلا تجاه الجرائم التي ترتكبها «إسرائيل».. فلماذا كل هذا؟
إنه النفاق العالمي الذي يتسم به أي موضوع سياسي تكون «إسرائيل» طرفاً فيه.. حينها يصبح العالم أصمَّ، وأعمى، وأبكم، فلا يسمع ولا يرى ولا يتكلم ولو فقأت الحقيقةُ الدامغة عينيه!
إن الكيان الصهيوني يمتلك أكثر أنواع الأسلحة فتكاً ودماراً وأقوى عتاد عسكري يمكنه من الانتقام بوحشية لا مثيل لها، وهذا ما يفعله في فلسطين موقعاً الآلاف من المدنيين ضحايا، ويريد العالم أن يغمض عينيه عنه!
فهل يصدق العالم حجج «إسرائيل» الواهية بأن ما ترتكبه من جرائم في حق الإنسانية في فلسطين ليس إلا دفاعاً عن النفس؟ لا.. من دون شك! لكنَّ هناك تملصاً بيِّنا من المسؤولية ومحاولةً لتزييف الواقع وما يحمله من حقائق واضحة.
قد لا يجوز أن يُدرج اسم «إسرائيل» ضمن القائمة السوداء، فما تشنه من هجوم وما تسببه من انتهاكات لحقوق الإنسان عموماً، ولحقوق الطفل خصوصاً، ليس إلا صواريخ «طائشة» تحيد عن أهدافها في معظم الأحيان!
لقد أفادت الأنباء أن التقرير الذي «أفرج» عنه مؤخراً جاء بعد قيام كل من يدعم دولة «إسرائيل» ومن يساندها بالضغط على الأمم المتحدة. ونتيجة لذلك الضغط تبين أن أعداد أطفال غزة الذين قضوا في أكبر السجون المفتوحة في العالم لم تحص، وقد لا يكون ثمة أطفال في القطاع أصلاً!
إذا كانت الأمم المتحدة تتحدث عن انتهاك لحقوق الأطفال من خلال قتلهم وتشريدهم والاتجار بهم، أوليس من الأولى لها أن تكتب قائمة تلحق العار بأسماء الدول المساندة ل «إسرائيل» والتي تشكل ضغطاً كبيراً لإخراج هذه الدولة من القائمة السوداء؟ أوليس من يدعم القاتل قاتلاً؟ وإذا كانت الأمم المتحدة ستصدر قراراً تعرَّض لتأثيرات وضغوطات السياسة الخارجية فالأولى لها ألَّا تصدر قراراً، وألَّا تبذل جهداً بلا طائل!
بماذا ينفع القرار أمهات ثكلى وآباء دمرهم الحزن إذا كانت أسماء أبنائهم قد محيت من السجلات؟ وما ينبغي عمله إذا كانت الدول التي ترتكب الجرائم الوحشية في حق الطفولة محصنة ضد القوانين الدولية؟
إن «إسرائيل» تُبرر أفعالها المشينة وجرائمها، وكل ما تتسبب به من دمار وإزهاق أرواح بأعذار واهية مدعية أن ما يحدث غير مقصود وأنه على هامش العمليات العسكرية.
«إسرائيل» تبرر والعالم يصدق أو يتواطأ، ودماء الأبرياء وأكثرهم من الأطفال في فلسطين تروي تربة وطن محتل ومغتصب، وقوانين حقوق الإنسان إما أن تُلغى وإما أن تعدل حين يتعلق الأمر بالدولة العبرية.
إنه لأمر مثير للسخرية! فماذا قدمت لنا قائمة بان كي مون سوى أنها ذكرتنا مجدداً بأن دماء أطفال غزة وكل الشعب الفلسطيني هي دماء الأمة العربية كافة؟ وأن الأسماء وإن لم تُدرج في لوائح الأمم المتحدة ستبقى أبد الدهر في ذاكرتنا، ولا يمكن أن تمحى منها؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​رئيس تحرير صحيفة Gulf Today الإماراتية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"