زلازل الطبيعة أرحم من زلازل البشر

03:57 صباحا
قراءة دقيقتين
تشير الإحصائيات المتوفرة حتى الآن إلى أن ضحايا الزلازل الطبيعية منذ بداية القرن العشرين المنصرم حتى هذه اللحظة، لا يشكلون سوى 1% من ضحايا الحروب، التي هي زلازل بشرية تدمر وتقتل وتصنع ما لا حصر له من الأخطار والآثام. 

والإحصائيات التي تتحدث عن ضحايا الزلازل في اليابان، وهو بلد الزلازل الأول، لا تكاد تساوي شيئاً قياساً بضحايا الحرب العالمية الثانية. ولهذا تبدو الزلازل الطبيعية أرحم من الزلازل التي يصنعها البشر ويقتلون من خلالها بعضهم بعضاً دونما إشفاق أو رحمة، ولا اعتبار لما يقال عن إنسانية الإنسان وآدميته التي تجعله مختلفاً عن الحيوان، بما يتميز به من عقل وضمير ووجدان، وفي هذا كله ما يستدعي التوقف ليس للمقارنة، وإنما للتأمل في ما وصل إليه الإنسان من عدوانية، واستعداد لارتكاب أبشع الأفعال وأخطرها فتكاً بالنوع البشري، وما يحيط به من حيوان ونبات وجماد.

ومنذ أيام، وفي أثناء تقليبي لبعض الأوراق القديمة وجدت صفحة بخط يدي من مقال كتبته منذ عشرين عاماً تقريباً، ونشرته في هذه الصحيفة «الخليج»، وقد ضمنته خلاصة محاضرة ألقاها أحد العلماء المتخصصين في علوم الأرض، وكانت تؤكد أهمية الزلازل والبراكين ودورهما النافع والمفيد في المحافظة على الأرض وتوازنها الوجودي. ومما جاء في المقال المشار إليه أنني : استمعت إلى محاضرة بديعة عن أهمية الزلازل والبراكين، وكيف أنه بفضلها تمكنت الأرض من التنفس والبقاء على قيد الحياة. وبفضلها أيضاً تكونت البحار والجبال والتضاريس البديعة، ولو لم تكن الزلازل والبراكين ما كانت الأرض إلاَّ سطحاً مستوياً خالياً من المياه ومن التكوينات الطبيعية البالغة الدقة في تنوعها، ثم هذا هو الأهم، لكانت الأرض قد انفجرت منذ وقت طويل بفعل الحرارة التي تعمل داخلها. خلاصة القول، لقد أقنعنا المحاضر بعلمه ومعرفته الواسعة أن الزلازل والبراكين، رغم المخاطر، فيهما خيرٌ على الأرض وعلى البشرية وعلى الإنسان. وكدنا نطلب المزيد منها حرصاً على البقاء وإشفاقاً على الأرض مما يتسع له جوفها من تفاعلات كيميائية واحتراق لا يتوقف. وانطلاقاً من التعبير الشائع «رب ضارة نافعة».

لكننا بعد انتهاء المحاضرة -عدد من الزملاء وأنا- انتقلنا بالحديث من مجال الزلازل والبراكين الطبيعية، إلى مجال الزلازل والبراكين السياسية والاقتصادية في الوطن العربي. وهاأنذا الآن بعد سنوات من نشر هذا المقال أذهب بالحديث في مسار آخر لا يختلف كثيراً عن المسار السابق، وهو مسار الحروب، هذه الزلازل المدمرة التي عادت ببعض الشعوب إلى أسوأ مما كانت عليه تحت الاحتلالات وأنظمة الديكتاتورية والعنف، وفي بعض هذه الحروب الدائرة الآن ما يكاد يطلق عليه حرب إبادة، إبادة شعوب بكاملها وتغيير جغرافيتها وتفتيت وحدتها وتمزيق آخر ما تبقى في نفوس أبنائها من مشاعر وطنية وأواصر جامعة، فأي زلازل أقسى وأوجع من هذه الزلازل البشرية التي يصنعها الإنسان بيده ويخطط لها، بما تبقَّى من عقله المنحرف من قدرة على تصور مداخل للحروب وأساليب لتفريخ المشكلات وتدويل الأزمات.

د.عبدالعزيز المقالح
[email protected]
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"