بعد تركيا.. هل تُراجع إيران سياستها؟

04:21 صباحا
قراءة 3 دقائق
لا شك أن الخطوات التصالحية التي أقدمت عليها أنقرة خلال الأسبوع الماضي قد أثارت قدراً من الارتياح شمل منطقتنا. رغم أنه ارتياح مشوب ببعض الحذر، وتخالطه بعض المرارة بسبب استئناف العلاقات المجمدة بين أنقرة وتل أبيب.
لقد لوحظ أن خطوات التطبيع مع موسكو قوبلت بترحاب سريع في الكرملين. ويبدو أن الطرفين لم يتوقفا طويلاً عند الفروق بين إبداء الأسف والتعبير عن الاعتذار عن إسقاط الطائرة الروسية، ومضيا إلى الخطوات التصالحية بسرعة لافتة وخاصة في المجال الاقتصادي: السياحي والاستثماري. ولا شك خلال ذلك أن الطرفين قد تضررا من القطيعة بينهما، وأن كليهما سيجني فوائد من عودة العلاقات إلى طبيعتها. ولهذا جرت محادثة هاتفية بين الرئيسين بوتين وأردوغان، كما تم عقد لقاء مباشر بين وزيري خارجية البلدين سيرجي لافروف، وجاوش أوغلو في منتجع سوتشي الروسي. والواضح أن الطرفين ماضيان بسرعة في استئناف مختلف أشكال التعاون، تمهيداً للوصول إلى تعاون سياسي، يضيف إليه الوزير لافروف التعاون العسكري بشأن الأزمة السورية. وقد أشار الجانبان إلى أنهما سيبذلان جهوداً من أجل ضمان تعاون سياسي فعلي. وإذا تحقق ذلك بصورة متوازنة، تعكس مصالح وحقوق جميع الأطراف بما فيها الطرفان الروسي والتركي فلا شك أن ذلك سوف يشكل اختراقاً للمسار السياسي المعطل، والذي حل محله جموح عسكري لا تخطئه العين.

أما تطبيع العلاقات مع «تل أبيب» والمتوقفة منذ ست سنوات فقد سبقته خلال هذه الفترة وساطات واتصالات مكثفة قامت بها الولايات المتحدة التي تربطها بأنقرة علاقات أطلسية رغم التباين بينهما في بعض السياسات الإقليمية. وأعربت «تل أبيب» من جهتها في مناسبات شتى عن رغبتها في استعادة العلاقات. وكانت الاتصالات التي تولتها واشنطن تدور حول الاعتذار عن المجزرة التي ارتكبت وذهب ضحيتها تسعة بحارة أتراك على السفينة مرمرة التي كانت متجهة إلى قطاع غزة المحاصر. ثم تعويض ذوي الضحايا، والسماح بإدخال مساعدات تركية إلى قطاع غزة، وكذلك السماح بإعادة تشغيل مطار وميناء غزة.

من وجهة نظر عربية قومية فقد كان من الأفضل بقاء الكيان الصهيوني محاصراً برفض التطبيع معه. لكن أحداً لا يستطيع الطلب من الآخرين وضع المصالح العربية فوق المصالح الخاصة بكل بلد. ولأنقرة حساباتها التي تتجاوز العلاقات مع «تل أبيب» إلى العلاقات مع واشنطن. والمهم أن يقع هذا التطور دون إلحاق خسائر إضافية بالجانب العربي والفلسطيني.

تواترت الأنباء بعدئذ عن جهود تبذل لتطبيع العلاقات بين أنقرة والقاهرة حيث اشترطت القاهرة عدم التدخل في الشؤون الداخلية المصرية، فيما أذيع عن اتصالات مصرية مباشرة مع ممثلين لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (برئاسة صالح مسلم) في القاهرة وباريس، ويُنظر إلى هذا الحزب على أنه فرع سوري لحزب العمال الكردستاني التركي.
أياً كان الأمر فإن الخطوات الجديدة لأنقرة والتي أعقبها تعرض مطار إسطنبول لموجة إرهابية غير مسبوقة جرى توجيه الاتهام ل «داعش» بارتكابها، هذه الخطوات تهيئ لبيئة سياسية أقل احتقاناً في المنطقة وتثير الأمل ببدء موجة انفراجات. فتركيا بلد إقليمي لا يُماري أحد في أهميته وحساسية موقعه ونجاحه الاقتصادي واستيعابه للاجئين، وعلى طريقة الشيء بالشيء يُذكر، فإن الحدث التركي النوعي يثير تساؤلاً: هل تعمد دولة إقليمية أخرى ذات شأن ووزن، وذات اشتباك مباشر مع عموم الوضع الإقليمي، هل تعمد هذه الدولة وهي إيران إلى خطوات تصالحية من جانبها، مع عشر دول عربية على الأقل في مقدمها خمس دول خليجية هي دول الجوار؟
هل تخطو طهران خطوات جدية ملموسة تتعدى التصريحات الإعلامية الطيبة، نحو مراجعة حقيقية من أجل إقفال ملف اليمن، والإسهام في وقف الاستنزاف الشامل في سوريا، والمساعدة على تحقيق مصالحة وطنية عريضة في العراق تهيئ أفضل الأجواء لاستئصال كل إرهاب في هذا البلد وبحق شعبه؟ لا شك أن ذلك يقع في مصلحة إيران كما في مصلحة غيرها.

تكفي الإشارة هنا إلى التقارير التي بات يتحدث بها مسؤولون إيرانيون عن الضائقة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها بلادهم، بما جعل 14 مليون إيراني يعيشون تحت خط الفقر، فيما الميزانية الحربية من أجل التدخلات خارج الحدود، ولرعاية النزاعات في الخارج لا يضبطها ضابط، ولا تقف عند سقف معين؟.

محمود الريماوي
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"