كأس العالم سلاح عالمي بامتياز!

04:51 صباحا
قراءة 4 دقائق
قليلون هم الأشخاص الذين لا يعرفون الكاتب الروائي والفيلسوف الفرنسي - الجزائري ألبير كامو الذي خاض سجالات فلسفية كثيرة تحدث فيها عن الوجود والحب والموت والثورة والمقاومة والحرية واضعاً قراءه في مواجهة أشد الأسئلة قسوة وتعقيداً .
ذلك هو الوجه الذي يعرفه معظم الناس عن الفيلسوف ألبير كامو، لكن كثيراً قد لا يعلمون أن كامو كان إلى جانب كل ما نعرفه رجلاً رياضياً، فقد كان حارس مرمى في فريقه الجامعي في الجزائر موطن إلهامه وفلسفته الوجودية .
فمن موقعه كحارس مرمى بات يتفكر في مواقفه الحياتية من حيث بعده عن تحمل المسؤولية . مستغرباً كيف كان لا يلام عندما يحرز فريقه هدفاً، وفي لمحة بصر يقع كل اللوم عليه عندما يحرز خصمه هدفاً . وانطلاقاً من تلك القناعات قال: "أدين لكرة القدم بكل ما لدي من معرفة عن الواجبات والأخلاق" .
يمكنني أن أجد صلة بيني وبين إعجاب كامو بكرة القدم؛ لأنّي أنا أيضاً من الهواة المتحمسين لهذه الرياضة التي تتمتع بجماليات فنية رائعة تذكرني بنظم الشعر، فهذه اللعبة تعزز روح المودة بين الناس كافة في مشارب الأرض وهي تثير دائماً الإلهام . وإذا كانت كرة القدم تجمع حولها الكثير من عشاقها الخبراء بقواعدها في الأيام العادية، فإنها تستقطب خلال احتفالات كأس العالم التي تجري كل أربع سنوات، أضعافاً مضاعفة من المتابعين لها .
لأنّه، ولشهر كامل كلّ أربع سنوات، وبغض النظر عن موقفك العاطفي تجاه هذه الرياضة، أو حتى معرفتك بقوانين اللعبة ستجد نفسك منشغلاً بمتابعة مبارياتها، منبهراً بمنافسة جميع الشعوب على هذا اللقب .
ألا نشعر بالرهبة لمجرد التفكير بوجود حدث يتجاوز الحواجز الثقافية والدينية، يخاطب كافة الأعمار ويتغلّب على فروق الجنس؟ حدث له القدرة على إبقاء العالم كله مأسوراً، يفتنه ويبقي أنظاره مشدودة نحوه لأنه مصمم ليكون أكبر سلاح للترفيه والتسلية .
في تلك الأجواء التي يتسمر فيها الناس أمام شاشات التلفزة و يتعالى هتافهم تأييداً لهذا الفريق أو ذاك، يخيل للمرء أن العالم كله قد انحصر في المدينة التي تجري فيها مباريات كأس العالم ، في الوقت الذي يستمر فيه العالم الفعلي في حركته خارج أسوار المدينة المضيفة .
لقد أقيمت بطولة كأس العالم للمرة الأولى عام ،1930 وهي تقام منذ ذلك الحين كل أربع سنوات . وقد سجلت كتب التاريخ أن حركة سياسية كبرى كانت تهز العالم في كل مرة تقام فيها هذه البطولة .
من أجل هذا الجدل، أحبّ أن أرجع معكم إلى الوراء ثلاثين عاماً أو ما يقارب ذلك، وأعيد إلى أذهانكم الأحداث التي سيطرت على الشرق الأوسط خلال مباريات كأس العالم .
في عام ،1982 وفي الشّهر نفسه الذي عقدت فيه مباريات كأس العالم، اجتاحت "إسرائيل" لبنان، وعلى الرغم من لهيب نيران الحرب لم يكن العالم يصرخ لرؤية الجنود "الإسرائيليين" وهم يغزون جنوب لبنان، ولا من أجل الصراع القائم آنذاك، ولكنهم كانوا يهللون للفريق الكويتي الذي ظهر في كأس العالم للمرة الأولى، وللفريق الجزائري الذي أخرج من البطولة من الجولة الأولى . . . . في ذلك العام كان لبنان تحت وطأة الحرب بينما كانت إيطاليا تفوز بكأس العالم!
وفي عام 1990 عقدت بطولة كأس العالم في إيطاليا، وأنا أذكر ذلك تماماً، فقد كنت في أشد الحماسة لفريق الإمارات العربية المتحدة الذي كان ذلك ظهوره الأول في بطولات كأس العالم . في تلك السنة غزا العراق الكويت وبدأت بذور الحرب تنبت في الخليج مغيرة النظرة التي كنا ننظرها إلى منطقتنا إلى الأبد . . . فازت ألمانيا الغربية بكأس العالم وخسر العالم العربي الحرب .
في عام 2002 وفي اليوم الأول لبطولة كأس العالم التي جرت في كوريا الجنوبية واليابان، دخلت القوات "الإسرائيلية" الضفة الغربية من طريق نابلس بينما كان العالم العربي يهلل للفريقين التونسي والسعودي، وركز بقية العالم على حدث مثير انتظروه أربع سنوات . وفازت البرازيل بالكأس .
وفي عام 2006 استضافت ألمانيا كأس العالم بينما أطلقت "إسرائيل" عمليّة أمطار الصيف بهجومها على قطاع غزة؛ وفازت إيطاليا بالكأس .
في عام 2010 استضافت جنوب إفريقيا كأس العالم بينما كانت الولايات المتحدة تساند المعارضين الإيرانيين للرئيس الإيراني محمد أحمدي نجاد، بينما كان المئات من المحتجين يقعون ضحايا للعنف العسكري .
تمثلت إيران في كأس العالم حيث طوق أعضاء الفريق الإيراني معاصمهم بأطواق خضراء تضامناً مع الحركة المعارضة، بينما اشتكى العالم من الأصوات المزعجة الصادرة من أبواق النفخ الإفريقية .
وها نحن اليوم في عام 2014 والبرازيل تستضيف كأس العالم، نجد أنفسنا مرة أخرى مشدودين إلى الجو البهيج، وكرة القدم العظيمة تتدحرج في الملاعب! ونهلل لممثل العرب في البطولة العالمية، الفريق الجزائري، بينما يبتلع العراق أسوأ أنواع تطرف عرفناه حتى يومنا هذا، وها هي الطائفية تمزقه إرباً وتعود "إسرائيل" مرة أخرى لقصف غزة!
لا نعلم من سيلقب بطلاً لكأس العالم هذا العام، ولكن الشيء الوحيد الذي نعرفه بالتأكيد أنه إذا ما كان للتاريخ أن يعلمنا، فإن خطة سياسية كبرى بدأت خيوطها تظهر لتنفذ خلال السنوات الأربع المقبلة ونحن مسترخون في مقاعدنا لنتابع بطولة كأس العالم المقبلة في روسيا!

عائشة عبدالله تريم

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​رئيس تحرير صحيفة Gulf Today الإماراتية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"