بمشاركتهن يندحر الإرهاب

02:52 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق

كما تسيء سلطات الأمن في العالم تقدير أهمية دور المرأة في النشاط الإرهابي، فإنها تسيء بالقدر نفسه إدراك وتقدير دورها الحيوي في مكافحته ودحره والتنبؤ به. لا يستوعب كثيرون من خبراء الأمن والسياسيين أن الخطوط الأمامية هي المكان الطبيعي للمرأة في الحرب ضد الإرهاب. وأن ابتعادها أو استبعادها يقدم خدمة جليلة للإرهابيين، ويوفر لهم ثغرة أمنية خطيرة لمواصلة شرورهم.
وإذا كان الإرهابيون قد تنبهوا منذ وقت طويل لأهمية الدور الذي تلعبه المرأة في شن الهجمات، والمشاركة في التجنيد والتحريض، وبث الأفكار المسمومة، فمن الغريب أن تكون أجهزة الأمن أقل إدراكاً لأهمية الدور المضاد الذي يمكن أن تضطلع به النساء في هذه الحرب الشاملة.
وعند تعاملهم مع مشكلة العنف يظهر صانعو القرار في الولايات المتحدة وغيرها حالة محيرة من انعدام الخيال أو في أحسن الأحوال محدوديته، ويصبحون سجناء رؤية تقليدية عقيمة تعتبر أن المرأة إما مشاركة في الإرهاب أو ضحية له. بينما هناك دور ثالث لا يعيرونه اهتماماً كافياً، وهو أنها مقاتلة في المعركة ضده. وليس ضرورياً أن تكون مشاركتها باستخدام السلاح.
هذا القصور في رؤية السياسيين تنبه إليه وحذر منه الباحثون في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، أحد مراكز الأبحاث الشهيرة، ووضعوا خلاصة رؤيتهم في تقرير مهم صدر الشهر الماضي بعنوان «النساء والإرهاب.. أهداف خفية وشركاء منسيون». وقد عرضنا الأسبوع الماضي جزأه الأول عن دور المرأة كإرهابية.
يرسم التقرير خطوطاً عامة لملامح استراتيجية شاملة لمكافحة الإرهاب بالاستفادة من قدرات النساء. ولهن كما يقول قدرات استثنائية في مجالات مهمة مثل التنبؤ بصعود التطرف، ومن ثم التحذير منه. كما أن تغلغلهن في المجتمعات وقدرتهن على الوصول إلى أماكن مغلقة أمام الرجال، خاصة في المجتمعات المحافظة يتيح لهن رصد التغيرات الاجتماعية والظواهر المستجدة التي لا يلتفت إليها الرجال أو لا يهتمون بها.
وعلى سبيل المثال لاحظت السيدات في أفغانستان أن حفلات الزواج تحولت إلى مناسبة مهمة لتجنيد الشباب في صفوف الإرهابيين، وبفضل هذه الملاحظة أمكن التصدي لذلك. وفي ليبيا رصدت النساء زيادة غير عادية في الزواج من أجنبيات، وتبين أن داعش تستقدمهن كمجندات أو زوجات للإرهابيين.
وتظل مشاركة النساء في أجهزة الأمن نقطة محورية في الحرب ضد الإرهاب، غير أن المشكلة الكبرى هي عدم الاستعانة بهن بصورة كافية، سواء في الدول النامية أو المتقدمة.
وتؤكد الأرقام المتاحة هذه الحقيقية، إذ لا تزيد مشاركة المرأة في قوات الشرطة بالعالم على 15% فقط. وتنخفض النسبة لأقل مستوياتها في جنوب آسيا، وهي إحدى بؤر الإرهاب، فلا تزيد في باكستان عن 2%، ولا تتعدى 6% في بنجلاديش، وهي أقل من 8% في الهند.
وفي الولايات المتحدة التي تعتبر الإرهاب أحد أهم التهديدات لأمنها القومي لا تزيد نسبة النساء في القوات المقاتلة للجيش على 16%، ومشاركتهن في المواقع القيادة لا تتجاوز 10%، على الرغم من أنهن يشغلن نحو ثلث الوظائف العليا في وزارة الخارجية والمخابرات المركزية. وفي الكونجرس لا توجد سوى سيدة واحدة في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، بنسبة 5%، ترتفع هذه النسبة إلى 15% في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، و20% في لجنتي المخابرات بالمجلسين. وتمثل المرأة ثلث أعضاء لجان القوات المسلحة والأمن الداخلي والشؤون الحكومية، وهي أرقام لا يعتبرها التقرير كافية.
ومع ذلك فإن خبراء المركز لا ينكرون وجود إدراك متزايد، وإن كان غير كافٍ، في أمريكا والعالم لأهمية دور المرأة في مكافحة الإرهاب. وهناك تشريعات أمريكية صدرت تعكس ذلك، كما أقر مجلس الأمن في 2015 القرار 2242، وهو الأول من نوعه الذي ينص على دور المرأة في هذه الحرب. عربياً أقرت الجامعة العربية في 2015 خطة لمشاركة المرأة في جهود الأمن والسلام، بما في ذلك مواجهة الإرهاب.
كل تلك الجهود حميدة، ولكن المعركة تظل طويلة، وما لم تُصوَّب أخطاؤها وتُسد ثغراتها، وأهمها استبعاد مشاركة المرأة، فلن يتحقق النصر.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"