بين تركيا وتونس ومصر

04:50 صباحا
قراءة دقيقتين

عندما تسلم الإخوان المسلمون زمام الحكم في كل من تونس ومصر، ساد الاستنتاج المنطقي بأن أمام هذين الحكمين الجديدين، عديمى التجربة، نموذجاً ناجحاً لتجربة قديمة من حكم الإخوان المسلمين في تركيا . ومن صفات هذه التجربة انها لم تصل الى درجة النجاح النسبي، إلا بعد سلسلة من التجارب الفاشلة، التي كانت دائماً تفشل بسبب عدم حرصها على التصالح مع الطبيعة الاجتماعية والثقافية لمجتمع بلادها، فما كان منها في التجربة الثالثة إلا أن عالجت هذه الثغرة، فسجلت تجربة ناجحة في الحكم ومستمرة منذ عشر سنوات .

كان الاستنتاج المنطقي بأن يقوم أصحاب التجربتين الجديدتين في كل من مصر وتونس بالاستفادة من تجربة زملائهم الناجحة في تركيا .

لكن ما جرى على أرض الواقع كان مخالفاً للمتوقع بل مناقضاً له في موقعين أساسيين:

1- بدا على أصحاب التجربة في كل من تونس ومصر انهم يتصرفون وكأنهم لم يطلعوا أبداً على تجربة زملائهم في تركيا، فاندفعوا في ارتكاب نفس الأخطاء السابقة للتجربة الإخوانية التركية، بدرجات أفظع، وأشد تخلفاً وجهالة، مع حصاد متدهور يوماً بعد يوم في شعبية الحكم في كل من تونس ومصر .

2- في مقابل ذلك كان غريباً أن يقوم أصحاب التجربة الناجحة الناضجة في تركيا، بتقليد زملائهم أصحاب التجربتين الفاشلتين في الحكم في كل من تونس ومصر .

فقد بدأت تظهر على أصحاب التجربة التركية في حكم الإخوان المسلمين، ملامح التخلي عن حرصهم على التصالح الإجتماعي والثقافي مع مجتمعهم التركي، وبدلاً من أن يواصلوا الافادة من تجربتهم الناجحة في السنوات العشر المنصرمة، راحوا بغباء سياسي ملحوظ يقلدون أصحاب التجربتين الفاشلتين في كل من تونس ومصر، ويكشفون يوما بعد يوم عن مزيد من التصادم مع المكونات الاجتماعية والثقافية لمجتمعهم، فبدا اردوغان، بتخبطه في معالجة الأزمة الأخيرة بينه وبين معارضيه، وكأنه يقلد حرفياً الرئيس المصري محمد مرسي، في معالجة الأخطاء بالإصرار عليها، وبارتكاب مزيد من الأخطاء .

لذلك لم يعد غريباً أننا أصبحنا أمام ثلاث تجارب لحكم الإخوان المسلمين في كل من تونس ومصر وتركيا، تسير الأوليان نحو فشل مؤكد سمته الأساسية التصادم الكامل والمتزايد مع مجتمع بلديهما، وتتخبط الثالثة في أخطاء هي نسخة طبق الأصل عن ما يرتكبه الحكم عديم التجربة السياسية في كل من مصر وتونس .

ومع التشابه الحالي بين التجارب الثلاث في التخبط بأخطاء عدم التفاهم مع طبيعة المجتمع في بلادهم، فإن التجربة المصرية تبدو الأشد فشلاً والأكثر توغلاً في السير في الرمال المتحركة لتجربة حكم فاشل، تزداد الهوة في كل يوم بينه وبين جماهير شعبه، ويعتقد أنه يحل المشكلة بمجرد أن يسيطر على التلفزيون الحكومي ويمنع أي تناول لسلبيات الوضع القائم، والاكتفاء بترديد إيجابيات وهميه لا وجود لها .

إنها حالة غريبة من تحول الأشد فشلاً في تجربته، إلى الأكثر مدعاة للتقليد في فشله، حتى من قبل أصحاب تجربة، ظلت تحافظ على نجاحها النسبي عشر سنوات كاملة .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"