عياش يحياوي، وكتاباته عن الإمارات (1)

06:01 صباحا
قراءة 3 دقائق

كنت قد استعرضت في إحدى كتاباتي في عام 2004 في جريدة الخليج، كتاباً للأستاذ عياش يحياوي، اسمه السيرة المكانية وأعتقد أن هذا الكتاب ما زال قيد التداول في المكتبات.. وعياش يحياوي كان كاتباً وباحثاً ومشرفاً على الصفحة والملحق الثقافيين في الخليج.. ولست أرى هذه الأيام أو أنه لم يتسن لي قراءة شيء بقلم الأستاذ عياش، ولا أعرف إن كان ما زال يعيش في الإمارات، أو إن كان قد ترك البلاد إلى بقعة أخرى من بقاع الله الواسعة، فيكون ذلك خسارة غير هينة للكتابة وللثقافة في الإمارات، فكاتب جيد وذو قلم متميز كالأستاذ عياش من الصعب أن نجده يقف في طابور الباحثين عن شغل لكي نلتقطه.

قرأت للأستاذ عياش يحياوي بعد كتابه الذي أشرت إليه السيرة المكانية، كتابين آخرين متعلقين بالإمارات بالإضافة إلى كتاب آخر أهداني إياه، يتحدث فيه عن طفولته في بلده الاصلي الجزائر، وحياته في الريف الجزائري مع أهله وعشيرته الأقربين.. ولكن بالنسبة لي شخصياً وباعتباري هاوٍ للقراءة في الشأن الإماراتي، فإن كتابيه اللذين اذكرهما في ما يلي، هما من الكتب التي أحب تناولها في هذه الحلقات.

كتاب أول منزل

هذا الكتاب الذي صدر في عام ،2007 واشتريته من إحدى المكتبات. يستعرض فيه الأستاذ عياش يحياوي بشكل مسهب ومطول حياة 50 مثقفاً من الإمارات، وهذه العبارة الأخيرة، حياة 50 مثقفاً مدونة على الغلاف الأمامي للكتاب.

وعندي أن الأستاذ عياش بذل جهداً ينبغي أن يثاب عليه، لأنه تابع في بحثه أناساً من هنا وأناساً من هناك ليس من الميسور تتبع سيرهم الذاتية وآثارهم إلا بالعزم المصر، وهذا ما يبدو أن الأستاذ عياش قد فعله حتى أخرج كتابه بهذا الحجم الكبير وبالإخراج الأنيق، بالإضافة إلى التعريف وسرد المعلومات عن هذا الشخص أو ذاك سرداً يسهل على القارئ التعرف على شخصياتهم ومن يقرأ مقدمة الكتاب يدرك أن مؤلفه لم ينجز كتابه هذا بيسر، بل واجه تعباً مضنياً حتى استطاع أن ينجز كتابه في مدة تزيد على عامين أو ما يقترب من عامين.

ولا أعتقد أن المؤلف الأستاذ عياش يخالفني الرأي في أن التركيز على جملة معينة من الاشخاص واعتبارهم البارزين وحدهم من المثقفين دون غيرهم، ويمثل نظرة (شخصية وذوقية)، ولو استبدل الأستاذ عياش اسم المثقف الذي أطلقه على كل من قابلهم باسم الكاتب أو الأديب في تسميته للأشخاص الذين اختارهم، لكان ذلك أقرب إلى الواقع.. إذ أن السمة الثقافية في هذا العصر الذي بلغت فيه المدنية والمعارف شأواً كبيرآً، أصبحت سمة مشتركة وجماعية حتى بين الذين لم يكن لهم حظ وافر من التعليم الأكاديمي.. ومن النادر في أي مجتمع متطور ويمشي مجداً نحو التطور، في هذه الايام أو في هذا العصر، أن نجد بين ظهرانيه أناساً يكون بينهم وبين المعارف والثقافة بون شاسع الأرجاء، وذلك لأن تطور الحياة العامة يمهد لجميع الناس سبل المعرفة.. وبخلاف الاقرار بهذا، يكون حكمنا ورأينا نابعين من إحساس شخصي صرف، ليس مدعوماً بالحقائق الموضوعية.. ومع ذلك فإن العذر الذي يقبله القارئ لمؤلف الكتاب - أول منزل - أن البحث لم يوصله إلى آخرين كان يود مقابلتهم وإجراء الحوار معهم.. ويقول الأستاذ عياش في المقدمة: أؤكد أن عدداً من المثقفين رفض فكرة الحوار بدعوى أن موضوع الطفولة والماضي - قديم ولا داعي للالتفات إليه أو بدعوى أن الطفولة موضوع مرتبط بالأسرة والحياة الخاصة، وليس موضوعاً يتم تناوله في كتاب موجه للمجتمع، أما عدد من المثقفين فوافق في البداية ثم تراجع لأسباب مجهولة.

إذا كان الأمر كما يقوله الأستاذ عياش فله عذره، ولكن اذا كان هناك أيضاً من رأى أن الحديث عن الماضي الخاص والشخصي غير مجد، فهو على صواب، والدليل على ذلك أن عدداً ممن تحدث إليهم الأستاذ عياش لم يتوقف حديثهم عن تجاربهم الثقافية وما جنوه من ثمرات نتيجة دخولهم في معترك الحياة العامة، تلك الثقافة والتجارب المفيدة لهم ولمن يقف عليها من القراء أو المتابعين لهؤلاء الأشخاص.

وللحديث صلة غداً إن شاء الله

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"