انقلاب لهزيمة الانقلاب

03:53 صباحا
قراءة 3 دقائق
حسن العديني
بعد التطورات الأخيرة في الحرب اليمنية قد تجد الشرعية نفسها أمام مراجعات لسياساتها وتحالفاتها من أجل تقوية الجبهة الداخلية، وتأمين التحالف المناهض للانقلاب.
تأمين التحالف يستلزم إعادة النظر في الشراكة مع بعض القوى، خصوصاً حزب الإصلاح (الإخوان المسلمين)، لتفادي الطعنات في الظهر والكبوات في الطريق، وتقوية الجبهة الداخلية توجب مراجعة شاملة لسياسات وتصرفات أثارت الكثير من اللغط والسخط، وأدت إلى انخفاض مستوى الرضا العام.
إعادة النظر في التحالف مع «الإصلاح» تفرضه ما يعتقد في أوساط حكومية أنه تأثير سلبي في مجرى الحرب، وممارسات مزعجة في حقل السياسة، ففي تعز مثلاً يفرض الأتاوات على المواطنين بنفس النمط الذي يمارسه الحوثيون في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، حتى وصل الحال إلى الاقتتال من أجل المال. وعلى الساحل الغربي يسود شعور بأن «الإخوان» يقومون بدور خفي لتعطيل تقدم القوات ومنع انتصارها في كثير من الأوقات، وكثير من المعارك. وكان مستغرباً التحول المفاجئ من التقدم السريع إلى التراخي والتباطؤ في تلك الجبهة. ففي غضون أسابيع قليلة نجحت القوات الشرعية في تنفيذ المرحلة الأولى من عملية الرمح الذهبي بتحرير باب المندب، والبلدات والقرى والجبال المحيطة به، بما فيها مدينة المخا، وميناؤها الحيوي، ثم راوحت القوات مكانها قبل أن يحدث التطور الأخير والمهم. وكان ثمة ظن أن أصابع «الإخوان المسلمين» ليست بعيدة عن صناعة التعثر بتأثيرهم في القرار السياسي والعسكري. ورغم وضوح علاقة قطر بالإخوان، والتنظيمات الإرهابية منذ زمن بعيد، فإن تأثيرها لم يكن في الحسبان حتى تكشفت صلاتها الوثيقة بإيران، ومساهماتها في كشف خطط التحالف، وتزويد العدو بمعلومات يستفيد منها في القيام بخطوات استباقية. إن ذلك الظن تحول إلى يقين لا يدحضه شك، إذ إنه بعد إخراج قطر من التحالف حدث التحول الكبير في سير المعارك، وسقط معسكر خالد ابن الوليد الأكبر بين كل المعسكرات الموجودة على طول المحور الممتد من محافظة إب شمال شرقي تعز، حتى مدينة حرض على الحدود الغربية مع السعودية.
لم يكن ممكناً إخفاء مشهد قوات الجيش اليمني وهي تتقدم إلى المعسكر، تجتاحه وتملأ ساحته بدعم وإسناد مباشر من الإمارات، ودول التحالف العربي، كما في جميع العمليات العسكرية. ولابد أن الحسرة على هزيمة الحوثيين تضع الحكومة في موقف غير محسوم ما يدفعها إلى مراجعة علاقتها بهذا الفصيل، وقد تستخلص من دراسة الربح والخسارة أن فك التحالف معه أمر لا مناص منه. إن إزاحة الإصلاح شجاعة لا تنطوي على مخاطر بقدر ما تعزز هذه الخطوة شعبية الحكومة، نظراً لقتامة الصورة التي باتت مطبوعة في الأذهان عن الإخوان المسلمين حيث يعتقد أكثر الناس أن الأغطية أزيحت عن وجوههم، فظهروا كما هم في الحقيقة بغير مساحيق من الدين، ولا رتوش من التقوى. وكذلك فإن فك التحالف أمر ليست فيه صعوبة على الإطلاق، ولا يستوجب عملية قسرية بأي حال، وإنما يمكن أن يتم بهدوء وبطرق ووسائل تدفع الأذى المحتمل من ناحيتهم. وربما يبدأ الرئيس هادي بالاعتماد على رجال آخرين، هم الأقرب إليه، والأكثر إخلاصاً لليمن، وبعضهم رفقاء له في الجناح الوطني للمؤتمر الشعبي العام من الذين غادروا مواقع علي عبد الله صالح وانقلبوا على سياساته.
ومن الناحية العسكرية، فقد تبني الحكومة خططها على استثمار الانتصار في معسكر خالد للتوجه شمالاً نحو الحديدة، وتتحاشى الغرق في التلال والجبال والأودية المحيطة بتعز التي لا تمثل أهمية استراتيجية تضاهي الشريط الساحلي، والحديدة على وجه التحديد. وإذا ما تمكنت من سد رئة الحوثيين بإغلاق البحر في وجوههم، فسوف يسهل عليها فيما بعد تحرير تعز، و ما هو أبعد منها، والأهم أن الطرق سوف تصبح سالكة من جميع الجهات إلى العاصمة.
ذلك ما يتعلق بتأمين ظهر التحالف الوطني، وتبقى بالغة الأهمية تقوية الجبهة الداخلية في عملية لا شك في أنها صعبة لأنها تحتاج إلى شجاعة مع النفس، وإلى نقد ذاتي قاس تترتب عليه معالجة أخطاء في الممارسة خلفت الكثير من الغضب عند أغلب الناس. كما أن مواجهة مرتبات الموظفين مسؤولية لا ينبغي أن تتنصل منها الحكومة طالما نقلت البنك المركزي إلى عدن، وقد كانت تعرف بالطبع عندما اتخذت القرار أن الحوثيين لن يتبرعوا بتوريد الأموال المحصلة من قبلهم إلى الخزينة العامة. ثم.. هناك واجب إصلاح وتقوية البنية الأساسية في المحافظات المحررة حتى تتولد الطمأنينة والأمان والثقة في المستقبل.
إن هزيمة الانقلاب لا يمكن أن تتحقق من دون انقلاب على الناحية الأخرى. انقلاب يهزم شهوات النفس، ويحمي من غدر الصديق.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"