الديمقراطية بين الفكر والممارسة

04:19 صباحا
قراءة 4 دقائق

منذ وضع الفيلسوف الإغريقي أفلاطون مفهوم الديمقراطية أخفق العالم حتى هذه اللحظة في الاتفاق على تعريف مقبول لها .

مع كلمة ديمقراطية يمكنك تخيل صورة شخص يرفل مرتاحاً بين ذراعي المساواة والحرية . إن الجمال هو أساس الصورة التي ترسمها الديمقراطية، لكن هل هذه هي الحقيقة فعلاً على أرض الواقع؟

مثالياً تنبع الديمقراطية من حاجة الشعب إلى الحرية، ومن سعيه اللانهائي إلى المساواة، ويجب أن تكون فكرة ورغبة داخلية تنبع من داخل البلاد وليست فكرة أجنبية، لأنها في هذه الحالة ستكون سبباً في الفساد، وستقل قناعة الناس بها . وإذا كانت الديمقراطية اعتبرت عبر التاريخ بمثابة حصان طروادة للغرب الذي قدمها للعالم على أنها فكرة لامعة وبراقة، فإنها تخفي في معظم الأحيان أدوات لتفكيك البلد .

ذات يوم عندما قررت الحكومة الأمريكية على هواها أن الحاكم السابق للعراق صدام حسين طاغية، بعد أن كان هو قد أطلق هذا الوصف سابقاً على أمريكا التي اعتبرها قوة غاشمة وطاغية، قامت الحكومة الأمريكية بإطاحته وسجنه ومحاكمته ثم إعدامه، وكان هدفها المعلن هو جعل العراق بلداً ديمقراطياً، وبعد مرور سبع سنوات فشلت أمريكا حتى الآن في دمقرطة العراق .

إن كل ما قدمته أمريكا للعراق هو دوّامة من الفوضى، وتهديدات مستمرة بحروب طائفية، إضافة إلى المخاطر القائمة بتقسيم البلاد .

شهدنا لاحقاً محاولات أخرى لتحويل الأفغان إلى شعب ديمقراطي، فنظرياً تجلب الديمقراطية النور إلى الشعوب الغارقة في ظلام القهر، لكن عملياً لا تزال أفغانستان بعيدة كل البعد عن هذه الفكرة المتفائلة، على الرغم من اقتناع الساسة الأمريكيين بأن خططهم حيال هذا البلد مازالت قابلة للتنفيذ .

ومع بدء الانتخابات التشريعية الأخيرة، ظهرت علامات الفساد وتزوير أصوات الناخبين، يضاف إلى كل ذلك خطر حركة طالبان الذي لايزال حاضراً وبقوة في مداهمة مقار اللجان الانتخابية وملاحقة الناخبين، وتشويه وجوههم وتقطيع أصابعهم عقاباً لهم على التجرؤ على المشاركة في الانتخابات التي ترفضها .

يجب أن تكون هناك شروط ومتطلبات أساسية قبل الشروع في نشر الديمقراطية بين الشعوب، عناصر مثل التعليم، معرفة القراءة والكتابة، الفهم الشامل لإيديولوجيات المفهوم ذاته، إضافة إلى وجود نوع من الاستقرار السياسي في الدولة قبل شروعها في تطبيق الديمقراطية وتحولها إلى كيان ديمقراطي، والأهم من كل هذا هو الحق في الاختيار، أي هل يرغب مجتمع ما في أن يحكم بهذا الشكل الديمقراطي، لأن طريقة الحكم الذاتية أكبر بكثير من مجرد فكرة أو تعبير بسيط .

ومازلنا نشهد مزيداً من إخفاق التجارب الديمقراطية حول العالم . في الانتخابات الرئاسية في إيران عام ،2009 مثلاً، شاهدنا كيف سُحقت الديمقراطية في شوارع طهران أثناء المظاهرات التي اتهمت الرئيس محمود أحمدي نجاد بتزوير الانتخابات . وفي نفس الوقت، حيث نسمع أن الديمقراطية قد ضربت أوتادها في بعض البلدان العربية، نرى أن القادة يربحون الانتخابات بأرقام مذهلة تستقر نسبها عند 99%، ولا تصيبها الحركة مهما تغيرت آراء الناس بشأن طرق الحكم فيها .

فالعالم يعتبر هذه البلدان ديمقراطية، لكن هل يا ترى هي كذلك حينما تسكت الإعلام وتتحكم به؟ وهل هي كذلك، حينما تفرض إجراءاتها على شركات الاتصال سعياً منها لمنع إرادة الناخبين حينما يلوح في الأفق منافس حقيقي؟ فهذه البلدان تمارس عملية تحويل جيني، سمها إن شئت الديمقراطكتاتوري ، حيث نواصل مشاهدة الممارسات غير الديمقراطية الصارخة من هذه البلدان الديمقراطية .

والأقرب إلينا في الخليج تأتي الديمقراطية الكويتية ممثلة في التجربة البرلمانية لمجلس الأمة، منذ الاستقلال بداية الستينات، وعلى الرغم من مواجهته الدائمة لصراعات ومواجهات مع الحكومة، إلا أنه تجربة ناجحة تعمل من أجل المواطن الكويتي لأنه تشكل بالفعل بناء على رغبة الناخب الكويتي .

يدرك الكويتيون مدى أهمية البرلمان وحاجتهم إليه، لذا قرروا العمل على إنجاح التجربة قدر استطاعتهم .

إن الكويت رسمياً ملكية دستورية، وهو ما يعني ببساطة مشاركة السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية في إدارة الحكم .

لقد أصبح مصطلح الديمقراطية مثل الجزرة مضرب الأمثال التي تداعب وجوهنا حتى نستمر بملاحقتها إلى الأبد كي نصل إليها ولا نستطيع، لذا فإن الحل هو التوقف عن التطلع نحوها والبحث عن التغيير حولنا، وإيجاد أجوبة عن أسئلة كثيرة موجودة في مكان ما بالقرب منا .

وعلى العكس من المعتقدات الغربية، فإن الديمقراطية ليست انفراداً غربياً، بل سبقها الإسلام من خلال تأكيد القرآن الكريم وشاورهم في الأمر وكذلك وأمرهم شورى بينهم . لذا ليس مهماً أن تكون الديمقراطية في لبوس غربي، بل يمكن أن تنمو وتوجد بأي شكل وفي أي مكان يبحث عن المساواة .

تهدف الديمقراطية إلى معاملة الناس على قدر المساواة بتوفير حقوق وواجبات متساوية للجميع تضمن الاستقرار والسعادة . فإذا كان هذا هو الهدف منها، فبحكم التعريف فإن أي بلد، مثلا، يعيش أفراده في قناعة وسعادة هل سيكون بحاجة ماسة إلى الديمقراطية؟

فالديمقراطية ينبغي أن تفهم دائماً من خلال منظور فلسفي أكثر منه سياسي، لأنها وقبل كل شيء ولدت على يد فيلسوف وقتلت بيد سياسي .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​رئيس تحرير صحيفة Gulf Today الإماراتية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"