قراءة في بورصة الاستطلاعات الانتخابية

03:07 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق

الفوز في مناظرة أو عدة مناظرات تلفزيونية لا يعنى الفوز بالانتخابات الأمريكية. وتفوّق المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون على منافسها الجمهوري دونالد ترامب في أولى هذه المناظرات لا يعني أنها حسمت السباق إلى البيت الأبيض. التاريخ يؤيد الحقيقة الأولى. فلم يثبت أن الفوز في مواجهة تلفزيونية ضمن لصاحبه الانتصار في الانتخابات. والحقيقة الثانية تدعمها الاستطلاعات التي تظهر أن تفوّق هيلاري في اللقاء لم ينعكس على شعبيتها.
الخطأ الفادح الذي يمكن أن يقع فيه أنصار المرشحة الديمقراطية هو الاستسلام لنشوة النصر الإعلامي، والتعامي عن واقع جديد في غير صالحها تتشكل ملامحه بالفعل. كل من تابع الحملة الانتخابية منذ انطلاقها يتذكر أن الهوة بين هيلاري وترامب في استطلاعات الرأي كانت شاسعة ووصلت في البدايات الأولى إلى نحو عشرين نقطة لصالحها. تقلّص الفارق بعد ذلك إلى مستويات أكثر واقعية، وإن بقي كبيراً، في حدود عشر نقاط في منتصف أغسطس الماضي. بعد ذلك بدأت الفجوة تتضاءل وشرع ترامب في التقدم ببطء ولكن بثبات واطراد، إلى أن تمكّن من التساوي معها بل التفوق عليها في بعض الاستطلاعات.
قبل أن نسرد أمثلة على ذلك ، نشير إلى ملاحظة مهمة ، وهي أن تقدم ترامب لم يكن خصماً من رصيد شعبية هيلاري التي احتفظت بنفس معدلاتها عند نسبة الأربعين في المئة بهامش محدود صعوداً أو هبوطاً. تفسير ذلك هو أن ترامب نجح في اقتناص أصوات أكثر من المنطقة الرمادية بين الحزبين، أي هؤلاء الناخبين المترددين والمحايدين الذين لا ينحازون لمرشح على أساس حزبي، ولكن وفقاً لحساباتهم بشأن أهليته وتعبيره عن طموحاتهم أو رضاهم عنه لسبب أو آخر، بصرف النظر عن الحزب الذي ينتمي إليه.
في هذه المساحة الواسعة التي تضم الكتلة التصويتية الكبرى صال هذا الملياردير السبعيني وجال وحصد الأصوات كتاجر ماهر يحوّل خسائره إلى مكاسب. إلى أن حقق التوازن أولاً ثم المكسب في بعض الحالات.
وخلال الأسبوع الماضي أظهر استطلاع أجرته صحيفة «لوس أنجلوس تايمز» أن المرشح الجمهوري يتحرك بالفعل في هذا الاتجاه الصحيح ، حيث قفز بنسبة المؤيدين له إلى 47% مقابل 43% لهيلاري. أي تفوّق عليها بأربع نقاط دفعة واحدة. لم يكن هذا الصعود الترامبي مفاجئاً بل هو امتداد طبيعي لتطور بدأ واستمر طوال الشهرين الماضيين.
ويشير تحليل لنتائج 15 استطلاعاً رئيسياً أجرتها مراكز معتبرة في سبتمبر الماضي إلى تقدم هيلاري في عشرة منها ، مقابل تقدمه في ثلاثة وتساويهما في اثنين. المهم أيضا أنه في الحالات التي تقدمت فيها هيلاري لم يكن الفارق يزيد على أربع أو خمس نقاط، وأحياناً نقطة واحدة. أي أن الكفّتين باتتا متساويتين تقريباً بين المرشحين.
لا يعني هذا أن فرص هيلاري تتآكل ، فهي ما زالت الطرف الأقوى ولو بنسبة أقل من السابق. كما أن تحليل نتائج الاستطلاعات يشير إلى أن احتمالات فوزها نحو 70% مقابل 30% له ، وهي نتيجة تعبر عن متوسط نتائج الاستطلاعات وليس معدل الشعبية. الملاحظة الأخيرة هنا تكاد تكون علامة مميزة لهذه الانتخابات تحديداً وهي ظاهرة التصويت الاحتجاجي. أي اتجاه الناخبين لمنح أصواتهم لطرف ليس اقتناعاً به ولكن رفضاً للطرف الآخر.
وقد نشرت الصحف الأمريكية العديد من الاستطلاعات التي تؤكد تنامي هذا الاتجاه بين الناخبين، آخرها استطلاع لجامعة كوينيباك يوم 14 سبتمبر الماضي. أظهر الاستطلاع تقدم هيلاري بنسبة 48% مقابل 43% لترامب، ولم تكن هذه النتيجة هي الأهم. الأكثر أهمية هو أن 54% ممن تعهدوا بالتصويت لهيلاري قالوا إنهم سيفعلون ذلك ليس اقتناعاً بها ولكن لمنع ترامب من النجاح. وهذا الأخير قال 66% ممن أيدوه في الاستطلاع إنهم مدفوعون لذلك برفضهم القاطع لانتخاب هيلاري.
كل هذا يعني أنه لا يمكن حتى الآن التعويل على حركة المؤشرات المتأرجحة لبورصة الاستطلاعات، لأن أعداد الناخبين الذين لم يحسموا اختيارهم ما زالت كبيرة. كما أن مزاجهم عموماً يبدو متقلباً. وما سيحدث من الآن وحتى الثامن من نوفمبر قد يعيد تشكيل الخريطة الانتخابية تماماً. الحقيقة الوحيدة الثابتة في هذه اللحظة هي أن الرهان على نتيجة الانتخابات تظل مغامرة طائشة بلا أي أساس علمي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"