الجمعية العامة وانتظارات العالم

03:50 صباحا
قراءة 3 دقائق
د.إدريس لكريني

تعتبر الجمعية العامة للأمم المتحدة بمثابة «برلمان دولي»، وهي تتمتع باختصاصات متنوعة؛ بحيث تستطيع مناقشة جميع المسائل أو الشؤون التي تدخل في نطاق الميثاق، كما يمكنها مناقشة جميع المسائل المتعلّقة بأهداف الأمم المتحدة.
واستناداً إلى المادة الحادية عشرة من الميثاق؛ تتلخص وظائف الجمعية العامة في ترسيخ المبادئ التي يقوم عليها التعاون الدولي لحفظ الأمن والسلم الدوليين، ويدخل في ذلك على وجه الخصوص المشكلات المتعلقة بنزع السلاح وتنظيم التسلّح وتقديم توصياتها في هذا الصدد إلى الأعضاء أو إلى مجلس الأمن أو إليهما معاً، إضافة إلى مناقشة المسائل التي تؤثر في السلم والأمن الدوليين والتوصية بما تراه مناسباً.
وبموجب المادة 14 من الميثاق؛ يمكن للجمعية العامة أيضاً «أن توصي باتخاذ التدابير لتسوية أي موقف، مهما يكن منشؤه، تسوية سلمية متى رأت أن هذا الموقف قد يضرّ بالرفاهية العامة أو يعكّر صفو العلاقات الودية بين الأمم..».
ورغم أهمية القضايا التي تطرحها والأشغال والنقاشات التي تراكمها على مستوى تعزيز السلم والأمن الدوليين، فإن صلاحياتها تظل محدودة وتقتصر في مجملها على تقديم التوصيات، مقارنة مع مجلس الأمن الذي يحظى بسلطات تقديرية وازنة..
وإذا كانت ظروف الحرب الباردة وما رافقها من إقبال مكثف على استعمال حق الاعتراض داخل مجلس الأمن، أتاحت للجمعية العامة الاضطلاع بمهام حاسمة في مجال المحافظة على السلم والأمن الدوليين، فإن التحوّلات الدولية التي أعقبت زوال الاتحاد السوفييتي ونهاية الحرب؛ أسهمت بشكل كبير في تراجع أهمية هذا الجهاز لصالح مجلس الأمن.
تحت شعار «جعل الأمم المتحدة ذات صلة بجميع الناس.. القيادة العالمية وتقاسم المسؤوليات لإقامة مجتمعات سلمية ومنصفة ومستدامة»، انطلقت أعمال الدورة الثالثة والسبعين للجمعية العامة قبل أيام، وشكّلت فرصة أمام دول العالم الممثّلة داخل الأمم المتحدة والتي يصل عددها إلى 190 عضواً، لطرح وجهات نظرها إزاء عدد من الموضوعات والقضايا الوطنية والإقليمية والدولية..
وقد نبّه الأمين العام الأممي خلال افتتاح أعمال هذه الدورة من مغبّة سقوط العالم في متاهات من الفوضى، مستحضراً في ذلك مجموعة من المؤشرات والوقائع.. فقد اعتبر أن النظام العالمي الذي أفرزته تحوّلات ما بعد الحرب الباردة، أضحى مهدّداً وفي مهب تراجع القيم العالمية والمبادئ الديمقراطية، وضعف مظاهر التعاون الدولي واحترام القوانين المرعيّة، والعودة إلى مناطق النفوذ.. وهو ما يعكس وجود تخوّفات جديّة داخل الأمم المتحدة من عودة التوتر والانقسام داخل الساحة الدولية، بسبب وجود صراعات عسكرية واقتصادية واستراتيجية بين عدد من القوى الدولية الكبرى، وتزايد الخطر النووي مع توجّه عدد من القوى إلى امتلاك السلاح النووي بسبل متحايلة، وتدهور البيئة بفعل النشاطات غير المعقلنة للإنسان..
وفي هذا السياق، دعا الأمين العام إلى التمسّك بالعمل الجماعي لمواجهة تحديات مشتركة تتربص بعالم اليوم وتتهدّد نظامه، مبرزاً أهمية التشبّث بالأمم المتحدة كإطار يدعم التنسيق والتعاون بين دول العالم.. لافتاً إلى الإشكالات التي يطرحها فشل الأمم المتحدة في التعاطي مع عدد من الأزمات والنزاعات المسلّحة، كما هو الأمر في سوريا واليمن.. فيما اعتبر أن حلّ الدولتين في الأراضي العربية المحتلة أصبح بعيد المنال، وفي ذلك إشارة ضمنية للانتهاكات الصارخة التي تمارسها «إسرائيل» ضد الفلسطينيين..
أما الرئيس الأمريكي فقد حاول في خطابه داخل الجمعية أن يبرّر توجّهات سياساته الخارجية التي أثارت الكثير من الجدل، كما هو الأمر بالنسبة للانسحاب من مجلس حقوق الإنسان، ورفض ولاية المحكمة الجنائية الدولية، مبرزاً أن أمريكا أضحت أكثر أمناً مما كانت عليه في السابق، وبأن سياساته تجاه منطقة الشرق الأوسط ستسهم في تعزيز الاستقرار، مشيراً إلى النتائج المهمة التي حقّقها عبر لقائه الأخير مع الزعيم الكوري الشمالي، على مستوى وقف التجارب النووية في هذا البلد، مؤكداً استمرار العقوبات المفروضة على هذا البلد إلى حين إخلاء شبه الجزيرة الكورية من السلاح النووي، مع الدعوة إلى وقف تطور الأوضاع العسكرية في سوريا، وبلورة حلّ سياسي يستجيب لطموحات السوريين، مع التأكيد أن الولايات المتحدة ستعمل مع دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن على دعم الأمن والاستقرار في المنطقة.
بين تطلعات الأمين العام وعدد من الدول الطامحة إلى غد أفضل من جهة أولى، والتوجّهات الأمريكية الجديدة من جهة ثانية، والواقع الدولي المملوء بالتحديات من جهة أخرى، تظل الجمعية العامة للأمم المتحدة بحاجة إلى إصلاحات جدّية جديرة بمكانتها كمنبر دولي للمرافعة، ودعم السلم والأمن الدوليين ضمن إصلاح شامل لمنظمة الأمم المتحدة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"