أزمة حقيقية تواجه اقتصاد العالم

02:04 صباحا
قراءة 3 دقائق

تسارعت ردود الفعل في الأسواق المالية العالمية على الأخبار المتعلقة بتصنيف الأوراق الصادرة عن الحكومة الأمريكية، وكذلك تلك الأخبار المتعلقة بشأن الديون السيادية في إيطاليا وإسبانيا، وكانت الخسائر التي حصلت في قيم الأصول المدرجة في الأسواق مهمة وثقيلة، وبالرغم من التحسن اللاحق في أداء الأسواق إلا أن ثمة أزمة حقيقية تكتنف الاقتصاد العالمي برمته .

يواجه الاقتصاد العالمي أزمة بنيوية غير تقليدية، وهي لم تأت عبثاً بل هي نتاج سياسات اقتصادية اعتمدت من الحكومات في البلدان الرئيسة مثل الولايات المتحدة واليابان وبريطانيا وعدد آخر من بلدان الاتحاد الأوروبي . . . وقد اعتمدت هذه السياسات على التوسع في الإنفاق العام بشكل مفرط من دون توفير إيرادات كافية للخزينة العامة ما أوجد عجوزات متراكمة في الميزانيات الحكومية ثم تمويلها عن طريق الاستدانة وإصدار سندات وأذونات الخزينة، وعندما تتجاوز قيمة الدين العام في أي من هذه الدول قيمة الناتج المحلي الإجمالي فإن ثمة خللاً في تلك السياسات لا بد من معالجته بشكل مباشر . . الآن، تأتي هذه الأزمة لتؤكد أن الأزمة المالية التي بدأت في سبتمبر/أيلول من عام 2008 لم تنته بعد، بل إنها مستمرة لأجل قادم ما لم تقوم البلدان المعنية، وإداراتها الاقتصادية، بانتهاج سياسات واستراتيجيات واضحة للخروج من الأزمة بشكل حقيقي . . ماذا يعني ذلك؟ هناك، بطبيعة الحال، معضلات مهمة قد تتعارض مع متطلبات الإصلاح البنيوي يتعين على الحكومات، على سبيل المثال، خلق فرص العمل المناسبة لتقليص حجم البطالة المتفشية بين القوى العاملة التي تصل في الولايات المتحدة إلى 2 .9 في المئة، وما يزيد على 10 في المئة، كمعدل، في بلدان الاتحاد الأوروبي . . هل يمكن معالجة أزمة البطالة عندما تتخذ قرارات تقليص الإنفاق العام بما قد يعني الاستغناء عن وظائف في مؤسسات القطاع العام؟

تشير المعلومات الصادرة من البنوك المركزية أن النظام المصرفي في بلدان الاتحاد الأوروبي أصبح مثقلاً بديون غير مخدومة، وأهم المدينين هي الحكومات ذاتها التي أصبحت، في أغلبيتها، غير قادرة على مواجهة التزاماتها . . في ذات الوقت من الصعوبة على الحكومات رفع معدلات الضريبة في الوقت الذي تعانيه المؤسسات الاقتصادية من تراجع في النشاط وتدني المداخيل .

كما أن المحافظين من السياسيين يعتقدون بأن رفع الضرائب ستكون له نتائج غير مواتية وقد يؤدي إلى تعطيل القدرة على خلق فرص الأعمال والعمل أو توسيع النشاط الاقتصادي . . إذاً، يبدو أن أهداف إصلاح السياسات المالية يتناقض، على الأقل في المدى القصير، مع متطلبات النمو الاقتصادي وإعانة أصحاب المداخيل المحدودة أو المتدنية والتزامات الدولة الاجتماعية . . . هل يمكن تحفيز النشاط الاقتصادي عن طريق السياسة النقدية، أي الاستمرار بخفض معدل الحسم أو الخصم إلى مستويات متدنية، كما هي في الوقت الحاضر، وتفعيل دور السياسة المالية من أجل ضبط الإنفاق وتخفيض العجز ومن ثم تخفيض الديون الحكومية؟ لقد تبين خلال السنوات الثلاث الماضية أن السياسة النقدية لم تعزز النشاط الاقتصادي بشكل فاعل وإن خفضت التزامات خدمة الديون على المؤسسات المدنية، وعلى الحكومات، بما يؤكد أهمية استخدام أدوات السياسة المالية لتحفيز ذلك النشاط . . ما سبق ذكره يوضح مدى عمق الأزمة التي يمر بها الاقتصاد العالمي وضرورة تكاتف الجهود بين البلدان الرئيسة لمعالجة الاختلالات التي نتجت عن السياسات السابقة .

* باحث اقتصادي كويتي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"