حتمية هيمنة الطاقة الشمسية

03:18 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عبد العظيم محمود حنفي

تشكل تطور المجتمعات الإنسانية في جانب كبير منه بالبحث المتواصل عن مصادر جديدة للطاقة مع نضوب المصادر السابقة، وهي عملية أسفرت في بعض الأوقات عن نشوب الحرب من واقع الخبرة التاريخية اليابانية، فمنذ سبعين عاماً، بدأت اليابان المصابة آنذاك بنقص شديد في النفط تنفيذ سياسة توسعية عدوانية، كان الغرض منها تأمين احتياجاتها المتزايدة من النفط، وهو ما أدى في نهاية المطاف إلى دخول الأمة اليابانية ساحة حرب عالمية. إن التوقعات بنفط رخيص لفترة طويلة من الزمن بعيدة عن أن تبشر بالخير، والغاز الطبيعي يصعب نقله، ورمال الطاقة الكندية التي يمكنها من حيث المبدأ توفير الطاقة لعقود عديدة لا تلقى ترحيباً من منظور بيئي، لأنها في جانب منها طاقة شديدة التركيز بحيث يتعذر استخدامها على نطاق واسع. وتمثل نتيجة الاعتماد على النفط، إضافة إلى تزايد التغير المناخي - الذي قد يكون مؤثراً - في تزايد الصراع بين البلدان حول مصادر الطاقة. وتبين الخبرة التاريخية أن البشر عادة ما يتوصلون دائماً إلى مصادر بديلة للطاقة. ولكن ما هو الشكل الذي يحتمل أن يتخذه البديل هذه المرة؟
يرى بعض المحللين من أنصار الطاقة الشمسية، أن لمعظم بدائل النفط الأحفوري مشكلاتها الخاصة، فالكهرباء المولدة من المياه لها تكاليفها البيئية والاجتماعية الخفية. مثلا إنها عادة ما تؤدي إلى نزوج مجتمعات كبيرة. والطاقة النووية تتضمن مسائل معروفة جيداً عن السلامة والأمن، كما أن الاستخدام واسع النطاق لطاقة الرياح له حدوده، وتتطلب طاقة الكتلة الحيوية الكثير من الماء والتربة، وخلايا الوقود الهيدروجيني مكلفة جداً والطاقة الشمسية، على النقيض من ذلك. يتوافر لها العديد من الإمكانات، كما يتراءى في استخدامها الحالي في اليابان وفي غيرها من الأماكن. وطبقاً لدراسات أجرتها وزارة الطاقة الأمريكية، فإن يوماً واحداً من ضوء الشمس على الأرض يمكنه إنتاج طاقة تكفي الإجمالي من احتياجات العالم من الطاقة لمدة 27 عاماً، وتدفع هذه المعلومة عدداً من المحللين إلى الاستنتاج بأن الطاقة الشمسية سوف تصبح مصدراً أساسياً للطاقة خلال العقود القادمة، وهم يدعمون توقعاتهم بحجتين رئيسيتين، الأولى أن المستهلكين المهتمين بمعالجتهم الذاتية سوف يسعون للحصول على الطاقة الشمسية لأنها مردودة التكلفة ويمكن أن يشجع التدخل الحكومي تلك العملية لكنه لن يكون حاسماً. الحجة الثانية هي أن ما يجعل الطاقة الشمسية قابلة للاستمرار هو أن البيوت الفرادى يمكن أن تكون لها مصادرها الخاصة للإمداد باستخدام الخلايا الكهربائية الضوئية، التي يمكن توصيلها بشبكة لتحقيق إنتاج وتخزين أكثر فعالية ويرون أن ذلك يعد أمراً حاسماً، فالرأي القائل بأنه لا يمكن التزود بالكهرباء بصورة اقتصادية إلا على نطاق جماعي ومن خلال شبكات فحسب خاطئ، فعلى الرغم من وجود وفورات الحجم في المنظومة الحالية للتوليد المركزي للكهرباء فإن قدراً كبيراً منه تذهب به تكاليف النقل التي تمثل في الولايات المتحدة نحو نصف التكلفة الإجمالية. ويمكن أن يسببه التحول المستهدف من الإنتاج واسع النطاق على منظومات موصلة بالشبكات بالتحول من الحاسب الرئيسي إلى الحواسب الشخصية خلال العقدين الماضيين. وتبشر الثورة الشمسية بالتحول الضروري والمرغوب، ويتحول في نمط وموقع مصادر الطاقة وما يضفي جاذبية على الطاقة الشمسية وفاؤها بهذين المعيارين: أنها متجددة وأنها يمكن إنتاجها في الموقع. والمؤكد أن احتياجات العالم من الطاقة سيستمر الوفاء بها من عدة مصادر متنوعة وفي مقدمتها النفط الأحفوري، لكن الطاقة الشمسية سوف تلعب عبر الزمن دوراً مهيمناً. ولكن ربما كان أصحاب تلك التوقعات حول حتمية هيمنة الطاقة الشمسية قد تكون مفرطة في التفاؤل، خاصة فيما يتعلق بقطاع النقل الذي لا يزال يعتمد بشدة على البنزين وغيره من المنتجات النفطية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"