النموذج الياباني الملهم للصين

01:08 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عبد العظيم محمود حنفي *

ترى بعض التحليلات الغربية أن تاريخ اليابان يعتبر منذ منتصف القرن التاسع عشر مصدر إلهام للصين، فاليابان تم الاعتداء عليها تماماً مثل الصين، من قبل البلدان الغربية والولايات المتحدة واستطاعت إعادة نفسها وبسرعة، وأن تتخلص من الوصاية الأجنبية وأن هذا هو الدرس الأول الذي استخلصه دينج زياو بنج.

إن تجربة اليابان كمجتمع شمولي عسكري في سنوات الثلاثينات وحتى هزيمتها في عام 1945 تمثل درساً ثانياً مفيداً وأكثر جاذبية من الدرس الأول. فالنجاح الذي حققته اليابان ما بين 1945 وحتى 1985 يعتبر - بلا شك - نموذجاً يحتذى به، فقد حققت فوائض تجارية سمح بها سعر صرف عملتها المقوم بأقل من قيمته الحقيقية.

وكان الجموح الاقتصادي الذي شهده العالم في سنوات الثلاثينات والوقوع في أزمات مستمرة مصدر إلهام القادة الصينيين وسيكون له دور مفيد وهام في إدارة علاقاتهم مع الولايات المتحدة الأمريكية.

بمعنى أن اليابان مع نجاحاتها التي تحققت، وكذلك إخفاقاتها، تعتبر بمثابة نموذج يحتذى به ودروس بالنسبة للصين كما حدث في بداية سنوات الثمانينات. وفيما يتعلق بالفرق بين اليابان والصين من وجهة نظر الدول الغربية تقول تلك الدراسات إن الولايات المتحدة سعت منذ عام 1995 لإدخال الصين في كنفها وأعطى الرئيس الأمريكي بيل كلينتون الضوء الأخضر لإدخال الصين في منظمة التجارة العالمية بدون أية شروط خاصة بسعر صرف اليوان المنخفض القيمة بالنسبة للدولار واليورو، ما جعلها تحقق فوائض تجارية كبيرة خاصة مع أمريكا.

كما استحوذت الصين على اهتمام خاص من الشركات الأمريكية خلال التسعينات حيث أقامت تلك الشركات فروعاً لها في شكل عقود من الباطن بغية الاستفادة من المستوى المتدني للأجور في الصين حيث سمح ذلك بعملية نقل التكنولوجيا التي أفادت الاقتصاد الصيني.

ولم تحرك الولايات المتحدة ساكناً عندما قامت الصين عام 1994 بإجراء تخفيض كبير لعملتها ما تسبب في الأزمة الآسيوية عام 1997. والصين تطبق منذ عام 1984 نفس الوصفة التي اتبعتها اليابان من قبل، والتي حققت بها نجاحاً اقتصادياً هائلاً خلال السنوات (1945 - 1985) وتتمثل في الأجور المنخفضة وسعر صرف منخفض، معدل فائدة منخفض، قيود على دخول رؤوس الأموال الأجنبية، ومع ذلك فإن تطبيق تلك الوصفة سيكون له آثار مختلفة بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية ويعزى ذلك لسببين:

الأول، أن عدد سكان الصين يوازي عشرة أضعاف سكان اليابان. والآخر هو أن جزءاً مهماً من رأس المال الأمريكي تهيمن عليه جماعة صغيرة ويتعامل كذلك مع جماعة صغيرة تهيمن على رأس المال الصيني وهذا لم يكن الوضع في الحالة اليابانية، وهذا خلق نوعاً من التواطؤ والمحاباة من جانب الولايات المتحدة تجاه الصين.

على عكس الصين، فإن اليابان كانت تمثل خطراً ليس فقط بسبب فوائضها التجارية وما يقابلها من عجز تجاري أمريكي - فالصين لها نفس الوضعية ولم يعترض أحد عليها - ولكن بسبب أن الشركات اليابانية كانت منافساً خطيراً للشركات الأمريكية بفضل إجراءات تخفيض الين.

إن الديناميكية الرأسمالية في اليابان وخارجها كان من الممكن لها أن تجعل الشركات اليابانية رائدة في الصناعة العالمية وأن تمتص خلال فترة معينة منافسيها الأمريكيين وسيكون هذا الوضع - إن تحقق - غير مقبول. لذلك كان يتعين - وبأي ثمن - كسر شوكة اليابان. ومن ثم انتهجت الإدارة الأمريكية في عهد كلينتون حملة ضد اليابان أدت إلى الصعود الحتمي والمؤلم للعملة اليابانية بين أعوام 1992 و1995، في حين تغاضت أمريكا عن تعمد الصين تخفيض عملتها.

ومع ذلك فإنه في وقت ما، كانت الشركات اليابانية لا تمثل تهديداً مباشراً لشركائها الأمريكيين الذين كانوا معها يحققون أرباحاً تفوق نظيرتها مع الصين، ولم تهتم أمريكا بالعجز التجاري مع الصين. وترى تلك الدراسات أن نظرة الرئيس كلينتون تجاه الصين تعتبر مثالاً لقصر النظر السياسي والخضوع لإرادة القلة من المهيمنين على الصناعة والمال في الولايات المتحدة الأمريكية.

* أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"