أوبك والسوق

03:31 صباحا
قراءة 4 دقائق

ربما لم يكن مفاجئا تماما ألا تستجيب السوق لقرار منظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك) بخفض انتاجها 5 .1 مليون برميل يوميا، وتواصل أسعار النفط الانخفاض متأثرة بالمخاوف بشأن تراجع الطلب أكثر من قلة المعروض النفطي في السوق . فعلى الرغم من تقديم اوبك موعد اجتماعها شهرا في ظل انهيار اسعار النفط، لتفقد اكثر من نصفها في غضون ايام، والحديث قبل الاجتماع عن خفض لا يقل عن مليون برميل يوميا لم تتأثر السوق كثيرا وأخذت الاسعار تتراجع لتصل إلى حوالي 60 دولارا للبرميل، بعدما كانت وصلت الى حوالي150 دولارا في يوليو/تموز الماضي .

وهناك أسباب عدة لتوقع بعض المحللين في البداية ان أي خفض تقرره اوبك لن يستطيع وقف تدهور الاسعار، منها ما يعود للازمة المالية العالمية الحالية ودخول الاقتصاد العالمي في ركود وتأثير ذلك في الطلب على الطاقة، ومنها ما له علاقة بأوبك ذاتها .

بداية، كان السبب في التراجع الهائل في اسعار النفط حوالي 60 في المائة في الاسابيع الاخيرة أن كثيراً من المستثمرين في عقود النفط الآجلة بدأوا بتصفية مراكزهم في اسواق الطاقة في ظل انهيار أسواق المال العالمية وتحسبهم لمزيد من الخسائر . ويعود التأثير الكبير لتصرف المستثمرين هذا الى حجم المضاربة على عقود النفط في العام الاخير، ومنذ بدأت الأزمة في الاقتصاد الامريكي صيف العام الماضي وانتقلت لبقية العالم . فنتيجة اضطراب الاسواق ترك المستثمرون المضاربون (صناديق التحوط وغيرها من الصناديق) أسواق الأسهم والسندات والعملات الى أسواق السلع . ولم يقتصر الأمر على السلع المعدنية التقليدية، كالذهب والفضة والنفط وغيرها، بل طال كذلك اسواق العقود الآجلة للسلع الغذائية والزراعية . ونتيجة المضاربات الكبيرة ارتفعت أسعار كل تلك السلع، وعادت الآن للتراجع نتيجة تصفية المضاربين مراكزهم .

لكن فقدان علاوة المضاربة من سعر برميل النفط لم يكن كافيا لهذا التراجع الكبير في الاسعار، اذ ان السوق بدأت تتحسب لبوادر تراجع في الطلب العالمي على الطاقة نتيجة الركود الاقتصادي في الدول الصناعية المستهلكة . وبالفعل خفضت مؤسسات عديدة توقعاتها للطلب العالمي على النفط بنسب معقولة . وهنا بدأت أوبك تشعر بأنها في مأزق مع زيادة كبيرة في المعروض النفطي وتراجع الطلب، وعدم احتمال توازن الطلب نتيجة الارتفاع الموسمي في الربع الأخير من العام الجاري والربع الاول من العام المقبل بسبب شتاء نصف الكرة الارضية الشمالي .

والواقع ان سوق النفط شهدت وفرة في المعروض تتجاوز كثيرا الطلب في العام الاخير نتيجة لضغوط سياسية من الدول الصناعية الرئيسية على أوبك كي ترفع انتاحها في مواجهة ارتفاع الاسعار وايضا بسبب زيادة بعض الدول انتاجها لتعزيز دخلها مستفيدة من ارتفاع الاسعار . ولم يكن رفع إنتاج أوبك نتيجة لضرورات اساسيات السوق، اذ ان ارتفاع الاسعار كان في الاغلب نتيجة لمضاربات المستثمرين في أسواق العقود الآجلة . وهكذا تضافرت زيادة الانتاج مع تراجع الطلب لتجعل السوق مشبعة بالخام بما يزيد على 4 ملايين برميل يوميا مقارنة بالطلب . وزاد من معضلة اوبك انها لا تستطيع سحب كل الفائض من المعروض من السوق، لأن أي تخفيض كبير سيجعلها محل انتقادات من الدول الغربية بأنها لا تراعي الأزمة الاقتصادية فيها وتهتم فقط بزيادة دخولها وتلك مسألة حساسة سياسياً خصوصاً لمنتجين رئيسيين في اوبك . كما انه داخل اوبك لا يوجد اتفاق على الهامش السعري المناسب لبرميل النفط ليتسق مع الخطط الاقتصادية لدول المنظمة، اذ يتراوح ما بين 50 دولارا للبرميل و90 دولارا لدول أخرى .

كان قرار اوبك خفض 5 .1 مليون برميل بمثابة تعديل للزيادات غير المبررة التي قامت بها في العام الأخير، لكن ذلك لا يكفي لاعادة اساسيات السوق الى التوازن . اضف الى ذلك ان التوقعات بأن الركود الاقتصادي العالمي ربما يكون عميقا وطويل الأمد تزيد من المخاوف بشأن تراجع الطلب . صحيح انه ليست هناك مخاوف كبيرة من تكرار ما حدث في نهاية القرن الماضي، عندما فشلت اوبك في الاستجابة للازمة الآسيوية واغرقت السوق بالنفط وانهار الطلب فهوت الاسعار الى اقل من 10 دولارات للبرميل . لكن ذلك لا يمنع ان على اوبك ان تراقب السوق عن كثب وتتحسب لاحتمال خفض الانتاج أكثر اذا استمر الطلب في التراجع . فإن كانت معظم الدول المصدرة للنفط تضع ميزانياتها على أساس سعر للبرميل أقل بكثير من سعر السوق، الا ان المشروعات الطموحة التي بدأت بها معظم الدول المنتجة في قطاع الطاقة والبتروكيماويات والبنية الاساسية تعتمد في تمويلها على الفائض في الأسعار ما بين المقدر في الميزانية وسعر السوق .

من هنا سيكون على أوبك، وربما ايضا بالتنسيق مع المنتجين من خارجها كروسيا وغيرها، ان تظل مترقبة ومستعدة لاتخاذ خطوات قد لا تكون مستساغة من قبل المستهلكين سياسيا، لكنها ضرورية للحفاظ على سوق النفط .

* محلل اقتصادي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"