النفط والحروب الاقتصادية

01:40 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. لويس حبيقة
يمكن أن تكون الحروب الاقتصادية أحياناً أشد وطأة على الشعوب من الحروب العسكرية. لا تؤدي الحرب الاقتصادية بالضرورة إلى حرب عسكرية، إنما يمكن أن تسبب حدوث بعض الأعمال العنفية المرتبطة بمصالح الشعوب. من الممكن أن تسبب الحروب الاقتصادية أزمات نفسية إذ تؤثر المصالح في الثقة بالدولة والمستقبل والنقد. من الممكن أن تكون الحروب الاقتصادية نفسية أي تعتمد على التخويف للوصول إلى مصالح أو قرارات معينة. لا تكون الحروب الاقتصادية بين الدول فقط، بل يمكن أن تكون بين الشركات أو بين دولة وشركة. حروب الدول الاقتصادية تحصل للفوز بالتقدم والنمو، ولا شك أن الولايات المتحدة دخلت في العديد منها مع أوروبا واليابان واليوم مع الصين.
في الستينات كان الخوف الأمريكي كبيراً من اليابان ونذكر جميعاً الكتاب القيم الذي وضعه صاحب مجلة «اكسبريس» سابقاً «جان جاك سيرفان شرايبر» حول «التحدي الياباني» الخطير ليس فقط بالنسبة لأوروبا وإنما للغرب جميعه. في الثمانينات، كانت السياسات الاقتصادية اليابانية هجومية بامتياز عبر الدعم وتدخل الحكومات لفتح الأسواق الخارجية كما لإغلاق الأسواق الداخلية أمام المنافسة الآتية من الخارج. كانت وزارة التجارة الخارجية والصناعة قائدة للقطاع الخاص مما سمح للاقتصاد الياباني بزيادة حصته في الناتج العالمي 3 مرات. حصة الصادرات اليابانية في التجارة العالمية تضاعفت مرتين. أهمية تسريبات «ويكيليكس» أنها أكدت مجدداً أهمية التجسس في الاقتصاد لحماية النفس وإضعاف المنافس أو الخصم.
هنالك أمثلة كبيرة عن حروب بين الدول منها التجسس الذي حصل مؤخراً بين الولايات المتحدة وأشد حلفائها ومنها ألمانيا. يجري التجسس تحت شعار الأمن، لكنه يهدف حقيقة إلى التجسس الاقتصادي في سبيل المعلومات التكنولوجية والفوز في السباق الاقتصادي. آخر حرب جدية حصلت في رأينا وذات شأن كانت بين مكتب التحقيقات الفدرالي وشركة «آبل» بشأن فك رمز الخليوي الذي كان يحمله إرهابي جريمة سان برناندينو. كانت مواجهة حامية تتعدى شركة «آبل» لتنظم العلاقة بين الدولة والشركات بشأن الحريات والعلوم والبحوث. مساندة شركات التكنولوجيا لآبل ساهم في حل المشكلة علنيا، عبر اكتشاف مؤسسة التحقيقات للرمز السري لوحدها أو ربما عبر تعاون خفي بين المؤسسة والشركة بشأن هذه المشكلة. في كل حال، ما جرى يشير إلى إمكانية حدوث مواجهة كبيرة في كل يوم بين دولة وشركة تعمل داخلها. الحرية أهم من الأمن إذ سلب الأولى يفقد الحياة لذتها.
فيما يخص النفط ومع اعتقادنا بأن السوق تحدد الأسعار، هنالك مصالح دولية تؤثر خاصة في العرض وتحمل في طياتها سياسات عامة لها رؤيا مستقبلية كبرى. مثلاً كان من الممكن رفع سعر برميل النفط لو قبلت منظمة «الأوبيك» بتخفيض الإنتاج الذي يوازي نحو30 مليون برميل في اليوم. لماذا لم تقبل بذلك؟ لأن إبقاء السعر منخفضاً يقتل عملياً إنتاج النفط الصخري الأمريكي الذي تبلغ تكلفة إنتاجه 60 دولاراً، وهذا ما حصل إذ توقف عملياً الإنتاج الصخري. هذا يدخل في إطار الحرب الاقتصادية والمصالح الآنية والمستقبلية في نفس الوقت. ما هي مصلحة الولايات المتحدة في سوق النفط؟ هنالك صراع بين المستهلكين وقطاع الأعمال من جهة الذين يفضلون السعر المنخفض في حدود 40 دولاراً والقطاع العام من جهة أخرى الذي يفضل سعراً أعلى لتعزيز الإنتاج الصخري وعدم العودة إلى التبذير الاستهلاكي الذي يحصل كلما انخفض سعر النفط. تكمن مصلحة أمريكا أيضاً في تأمين استقلالية الطاقة.
ما هي مصلحة الدول المصدرة للنفط وخاصة دول مجلس التعاون الخليجي؟ على المدى القصير حكماً السعر المرتفع لتمويل الموازنات وبدأنا نرى تأثير الأسعار الحالية في كل شيء في الداخل. المصلحة على المدى البعيد تعتمد على تنويع الاقتصاد بشكل جدي وأساسي، وهذا لن يحصل عندما تكون أسعار النفط مرتفعة. هنالك إذاً صراع بين مصالح الحاضر والمستقبل أي صراع على كيفية الاستفادة من الوقت لتعزيز الأوضاع الاقتصادية. من مزايا المرحلة الحالية، أنها فرضت على الدول النفطية الاستثمار الجدي في الأفكار، وربما في المشاريع البديلة لتنويع الاقتصاد والصمود في وجه تقلبات أسواق المواد الأولية.
لماذا أصبحت الحروب الاقتصادية اليوم أخطر ومكلفة أكثر؟ زيادة فعالية قطاع الاتصالات ألغت عملياً حدود الدول، فيمكن للمعلومات وفي ثوان قليلة أن تنتقل من دولة إلى أخرى دون أي حاجز أو مانع. كما أن وجود الشركات الكبيرة في دول وأسواق عدة يسمح لها بنقل المعلومات داخلها بسرعة بشأن ما يجري في دول أخرى وفي كافة القطاعات. هنالك حروب نقد تجري بين جميع العملات إذ لكل دولة مصلحة في اعتماد نظام صرف معين أو سعر صرف محدد. حروب العملات قديمة وتقوم بها المصارف المركزية دفاعا عن الأمن الاقتصادي ومصالح القطاع الخاص الوطني. تخفيض سعر صرف النقد يعزز التنافسية، إذا لم تقم الدول الأخرى بنفس الشيء. تقوم الشركات بالحروب الاقتصادية تعزيزا لأرباحها ولحصتها في الأسواق في النظام الاقتصادي العالمي المعولم. هل هنالك أي تضارب بين الحروب الاقتصادية والنظام الحر؟
أولا: يعتمد النظام الاقتصادي الحر على حرية تحرك العرض والطلب دون تدخل الدولة. في الحروب الاقتصادية، تتدخل الدول في العرض والطلب للتأثير على الأسعار كما على توافر سلعة أو خدمة في ظروف وأوقات معينة.
ثانياً: في الدول الأكثر حرية في العالم، لا تترك الدولة قطاعها الخاص يعمل من دون رعاية أو حماية أو توجيه. في الولايات المتحدة مثلا، هنالك وزارات متخصصة تعنى بمصالح قطاعات معينة، كما هنالك «مجلس المستشارين الاقتصاديين» الذي يعنى بمصالح الاقتصاد ككل أي يصدر نصائح ودراسات توجه إلى الرئيس للمناقشة والتنفيذ.
ثالثاً: هنالك دور كبير في بعض الدول للمؤسسات الأمنية والعسكرية يتخطى المهمات التي وضعت أصلاً لها. في الولايات المتحدة، البحوث التي يقوم بها الجيش مهمة جدا وتعلن من وقت لآخر ويستفيد منها القطاع الخاص.
رابعاً: لا بد من التنويه بشكل خاص بالسياسات الصينية المتبعة بشكل مباشر ضد الهند كما عموما ضد الغرب. لا ترغب الصين بالمواجهة إنما ترغب بتسجيل تقدم واضح تجاه المنافسين حتى لا يغامروا بالحرب ضدها.
خامساً: ما هي العقوبات الاقتصادية والى ماذا تهدف؟ حكما إلى تأخير التقدم الاقتصادي للدول المعاقبة ككوبا وإيران وكوريا الشمالية وروسيا وغيرها.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"