الاقتصاد والتفكير الإيجابي (2 - 2)

02:43 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. لويس حبيقة

شجعت أزمة 2008 وما أحدثته في الأسواق الشعوب على التنظيم ضمن مجموعات ذات أهداف مشتركة تطالب بحقوقها بكل جرأة كتجمعات النساء والمعاقين والمهن الحرة وغيرها. لم تعد المطالبة الكلامية كافية، بل لا بد من حسن التنظيم والمطالبة بالحقوق بكافة الطرق المشروعة، بما فيها التظاهر والإضراب والضغط الشعبي على السياسيين خاصة قبل الانتخابات. التنظيم أساسي، وهذا ما فهمته منظمات الحراك المدني اللبناني، وتنسق في ما بينها بسرية ودقة ونجاح شرط القبول بتحقيق المطالب تدريجياً للحفاظ على التأييد الشعبي الضروري. عالمياً لم تعد المطالبات تجري بهدوء، بل هنالك دائماً نوع من العنف الكلامي، إذ إن التعلق بالمصالح من قبل السياسيين أصبح كبيراً، والتنازل عنها أصبح صعباً، ومن غير المرجح أن يتم بهدوء. العيش في مجتمع معاً بهدوء واحترام أصبح صعباً عالمياً، خاصة عندما تكون المصالح مختلفة والقراءة متناقضة تماماً كما يجري في لبنان في السياسة، ومنذ سنوات طويلة. تريد كل مجموعة سياسية الكثير وربما كل شيء، من هنا تأتي صعوبة التعايش السلمي، ومن ثم اللجوء إلى الشارع.
هنالك ظلم في كل المجتمعات يفهم أولاً من التعبير العادي، أي مثلاً من مخاطبة النساء كالرجال، وعدم احترام دور المرأة في كل المجتمعات. أكثرية الموظفين في القطاع المصرفي اللبناني هم من النساء، علماً أن القيادات العليا في تلك المؤسسات أكثريتها من الرجال، وهو ما يشير إلى إمكانية التمييز ضد الجنس النسائي. ما زالت فجوة الأجور والمنافع والحقوق كبيرة بين الرجل والمرأة لنفس العمل في كل الدول علماً أن الفجوة أوسع وأكبر في الدول النامية. ما زالت فجوة الدخل كبيرة بين الأعراق، كالفارق الإحصائي الواضح بين الشخص الأبيض والشخص الأسود في معظم الدول، وفي الولايات المتحدة تحديداً. يمكن أن نلاحظ نفس الفوارق بين الأديان في المجتمع الواحد، إذ تغلب عندها الغريزة على العقل والفهم والمنطق. تقدمت المجتمعات من دون شك، لكن الظلم ما زال كبيراً حتى في أرقى المجتمعات كالإسكندنافية مثلاً.
الظلم يجعل الإنسان يشك في نفسه وفي حياته وفي قدراته، وبالتالي فهو مرفوض في المنطق والواقع. قال الفيلسوف الفرنسي «جان جاك روسو»: إن الإنسان ليس سيئاً، وقلبه ناصع البياض، لكن الخطأ يكمن في الممارسات الخاطئة التي تدفع إليها المجموعات المتطرفة في أقصى اليمين واليسار مثلاً. أسهمت كثيراً وسائل التواصل الاجتماعي في الدفع إلى التطرف، إذ إن الحوار وجهاً لوجه خف، وأصبحت المواقف تعلن عبر هذه الوسائل، وهو ما يفسر حدتها. الحوار يخفف التطرف، ويجعل الإنسان يفهم الآخر أكثر، ولذا فهو مفضل. حرية الكلام والخطاب إضافة إلى المعايير والمفاهيم المشتركة واستعمال العقل قبل الكلام تخفف جميعها فرص الخلاف.
من المهم جداً، ودائماً أن تتكون في المجتمعات مجموعات تفكر بإيجابية، أي تنظر إلى المستقبل بعين بيضاء، فتسهم في تقوية الثقة داخل الدول، وتمنع انتشار الرسائل الغاضبة والسيئة، وتزيد اللحمة بين المجموعات الدينية أو العرقية. تسهم الأفكار الإيجابية في تفعيل القرارات الجيدة في الاستثمار والإنفاق والنمو. العامل والموظف والإداري اليوم خائف من المستقبل، أي مثلاً من امتداد «الذكاء الاصطناعي» الذي يمكن أن يحل مكانه. الأفكار السيئة الخاطئة المبشرة بالأزمات مثلاً تنتشر بسرعة أكثر من الأفكار الجيدة، إذ تخيف الأولى المواطن، وتجعله يتصرف من دون تفكير ومنطق. لذا المطلوب اليوم في لبنان وفي كل المجتمعات التي تمر بظروف خطرة وصعبة أن تحافظ دائماً على الحريات، وتشجع على المنافسة، وتطبق السياسات التي ترفع الإنتاجية، وتحاول تخفيف فجوتي الدخل والثروات عبر الضرائب والدعم والمساعدات ومكافحة الفساد. لا شك أن اللبناني سيتعلم كثيراً من الأزمة الحالية التي ليس لها سوابق في تاريخنا، ولذلك ستغيره ليس فقط في ميادين العمل، وإنما أيضاً في علاقاته في المجتمع مع بقية اللبنانيين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"