هل هنالك حدود للنمو؟

01:36 صباحا
قراءة 4 دقائق
 لويس حبيقة

هل يمكن لأي دولة أن تنمو من دون حدود؟ اعتقدنا جميعاً أن النمو الصيني القوي سيستمر لفترات طويلة، وفوجئنا أنه انحدر بسرعة من 9,5% في سنة 2011 إلى 6,6% في سنة 2016. لا شك أن النسبة تبقى محترمة إلا أن فارق 3 نقاط سنوية من النمو ليس بالقليل بل يعدل جداً في المسيرة التنموية للاقتصاد الصيني. انخفاض النمو الصيني يقلق العالم بسبب أهمية الاقتصاد الثاني وانعكاس هذا الانخفاض على الأسواق المالية. لا أحد يريد العودة إلى أزمة 2008 وما حملته من خسائر على الشركات والمواطنين.

يمكن وصف الاقتصاد العالمي اليوم بالمملوء بالمخاطر، حيث النمو بطيء والسياسات النقدية معطلة عملياً بسبب بقاء الفوائد الأساسية منخفضة بالرغم من محاولة المركزي الأمريكي مؤخراً مواجهة الواقع برفع الفائدة ربع نقطة. تكمن المشكلة الأساسية في الصين اليوم في ارتفاع مديونية الشركات وبارتفاع أسعار العقارات كثيرا مما يذكرنا بطريقة أو أخرى بسنة 2008. بلغ حجم الدين في الصين 26,6$ ألف مليار دولار في سنة 2015 أي 5 أضعاف ما كان عليه منذ عقد من الزمن و 2,5 مرة حجم الاقتصاد الصيني. نسبة مقلقة يخفف من وطأتها هو أن أكثرية الدين داخلية وبالتالي أقل خطورة مما حصل في الغرب منذ 9 سنوات. يقول «جورج سوروس» المستثمر الكبير إن الصين اليوم هي تماما كالولايات المتحدة في سنة 2007 علما أنه ليس هنالك إجماع حول هذا الموقف.
أين تكمن خطورة استدانة الشركات الصينية؟ ارتفاع ثقل الدين وخدمته يقللان من إمكانية الاستثمار في المستقبل وبالتالي يضعف النمو الصيني القادم. تشكل هذه الاستدانة نوعاً من الحلقة المفرغة التي تضرب الاقتصاد الصيني والبطالة والنمو وبالتالي الوضع العالمي نظراً لحجم الصين وقوتها. تعاني الصين أيضاً هروب رؤوس الأموال، رغبة في التنويع الاستثماري، كما أن ارتفاع أسعار العقارات يضرب الطبقات الوسطى وما دون ويمكن أن يشكل نوعاً من الفقاعة التي يمكن أن تنفجر في أي وقت.تعاني الصين أيضا ارتفاعا كبيرا متواصلا في فجوة الدخل والثروة وبالتالي هنالك قلق مبرر من ناحية الاستقرار الاجتماعي المستقبلي. لا يمكن لأي حكومة صينية بل ليست هنالك مصلحة عالمية في إحداث تقلبات اجتماعية في الصين لا يمكن ضبطها. وجود صين مستقرة أفضل للعالم أجمع من جميع النواحي من صين ضعيفة مشرذمة. يكفي العالم مشكلة تايوان واحتمال تفاقم مشكلة أخرى تأتي من هونغ كونغ قبل أو عندما ينتهي الاتفاق الحالي حولها في سنة 2047. لا يمكن تجاهل الفجوة في الدخل لأنها مصدر قلق وربما شغب في الصين مع الوقت؟ هل تكون هذه الفجوة مناسبة للنمو أم تضر به؟ هنالك انقسام في وجهات النظر بالنسبة للاقتصاديين، حيث يقول بعضهم إن الفجوة تأتي من النجاح الاستثماري وتشجع المواطن على المغامرة للنجاح. هنالك رأي آخر معاكس يقول إن الفجوة تضيّق الفرص على الطبقات الوسطى وما دون وتقلق الفقراء وبالتالي تحبط الأكثرية الشعبية.ما العوامل التي تحد من النسبة السنوية للنمو في الصين وفي غيرها؟

أولاً: السكان، حيث عملت الصين لسنوات طويلة على تخفيف النمو السكاني عبر سياسة الولد الواحد. هنالك من انتقد هذه السياسة لأنها فضلت الديموغرافيا على العلوم الاقتصادية، بل وضعت هدف النمو في المرتبة الثانية. في كل حال نجحت هذه السياسة إلى حد بعيد بالرغم من التجاوزات غير القانونية في الإنجاب، كما التحايل على القواعد التي ظهرت جميعها خلال العقود الماضية. نجحت الصين في الحفاظ على نسبة بطالة لا تتعدى 5% عندما كان العالم أجمع يعاني البطالة المرتفعة. هل الأرقام بالضرورة صحيحة أم هنالك تلاعب بها لإظهار وجه مشرق للدولة؟ تشير الأرقام إلى أن 17% من السكان هم ما دون ال 14 سنة من العمر و 14,7% ما بين 15 و 24 سنة. يبلغ العمر المرتقب 75 سنة، منه 73 للرجال و 77 للسيدات. تنفق الصين 5,2% من ناتجها على الصحة أي في المرتبة 135 عالمياً. هنالك نسبة سمانة منخفضة جدا أي 5,7% وهي المرتبة 152 عالميا ليس بفضل الرياضة ولا الغذاء العلمي المدروس، وإنما بسبب الطعام العادي الخفيف.

ثانياً: الإنتاج الزراعي والغذائي وهذا مهم جدا لدولة بحجم الصين، حيث لا يمكنها استيراد كل شيء بل عليها إنتاج الكثير لشعبها. حصة الزراعة في الاقتصاد هي 9,7% وهي من الأعلى عالميا، علما أنها المنتج الأول للرز والقمح والبطاطا والذرة والشاي والتفاح والقطن وغيرها.

ثالثاً: الصناعة حيث تتفوق الصين عالمياً في نوعية السلع الصناعية العادية وتكلفتها. استقطبت الصين الاستثمارات بفضل نوعية اليد العاملة وسعرها. لم تشتهر الصين بعد بالصناعات المتطورة لكنها على الطريق الصحيح. حصة الصناعة في الاقتصاد 45,3% وتحتل المرتبة الأولى عالميا في إنتاج المعادن والنسيج والسماد الكيماوي والسلع الاستهلاكية المنزلية وغيرها.


رابعا: التلوث أي النتيجة الحتمية لتفوق صناعي مبني على طرق قديمة تعتمد بشكل أساسي على الفحم. المعروف أن الصين هي الملوّث الأول عالمياً، لكن انضمامها إلى المجتمع الدولي منذ اتفاقية باريس لتخفيف التلوث يطمئن، شرط أن تنفذ كما غيرها ما اتفق عليه لتخفيف الحرارة ومعالجة المشكلة المناخية المتفاقمة.
خامساً: تنويع مصادر الطاقة باتجاه المتجددة، حيث تحاول الصين الاستفادة أكثر من الطاقات الشمسية والهوائية والمائية، لكن هذا ما زال محدوداً مقارنة بالعديد من الدول الغربية. تخاف الصين من أن تؤدي سياسات مكافحة التلوث والتغيير الهيكلي في استهلاك الطاقة إلى تخفيف نموها، لذلك تظهر بعض التردد المفهوم لكن غير المبرر. صحة المواطن والأجيال المستقبلية تبقى أهم من كل شيء، لأنها ستكون مصدر النمو. هنالك إنجازات علمية في الصين سوف تظهر أكثر فأكثر إلى العلن، إذ إن التقدم الجامعي وفي البحوث واضح جداً ولم يعد سراً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"