الأزمات المصرفية مصدر كل العثرات

03:11 صباحا
قراءة 3 دقائق

لماذا تبدأ الأزمات المالية والاقتصادية من المصارف وتتحول لاحقا إلى أزمة ميزان مدفوعات واستثمارات وبطالة وأنظمة؟ مشكلة الأزمة المصرفية أنها تتحول سريعا من أزمة مصرف واحد إلى أزمة مصارف، وهذا ما يميز سوقها بل طبيعة عملها المرتكز على الثقة .

لماذا تحصل تجاوزات في إدارات المصارف لا تسبب سقوطها فقط، بل تسقط الاقتصادات معها؟ هل هي أزمة علوم مالية أم أزمة تهور ومغامرة أم أزمة أخلاق تصيب ليس فقط السياسيين بل بعض قطاعات الأعمال؟ هل تنبع الأزمات المصرفية من الجشع أم من ضعف القوانين والمؤسسات أم من ضعف الرقابة أو من سوء الممارسة بشكل عام . إلى أي درجة يسبب انفتاح الاقتصادات في العولمة أزمات في القرارات وبالتالي في النتائج؟ هنالك مشكلة لا تكمن فقط في معالجة داء المصدر بل في انتقاء الدواء المناسب لمنع التكرار . فقاعات المصارف مضرة وهذا ما تعلمنا إياه قبرص حيث فرح الجميع بمصارف توازي في ودائعها أضعاف حجم الاقتصاد، فأتت الحقيقة النابعة من سوء الممارسة وضعف الرقابة . حصل السطو على الودائع التي فاقت المئة ألف يورو . يقول السياسي الفرنسي نيكولا هولو أن سبب الأزمات الاقتصادية والمالية والبيئية والسياسية هو واحد أي المبالغة بل ربما الجشع .

الأزمات المصرفية ليست جديدة، وهنا نعود إلى تجارب عدة . في الولايات المتحدة، سقط مصرف كونتيننتال في سنة 1984 فانهارت معه كل الشركات المقترضة منه . في اليابان في بداية التسعينات، تعثر الاقتصاد بمجمله لأن المصارف ضيقت اقراضها . المصارف دائما متهمة حتى لو كانت الحقيقة أحيانا إلى جانبها أو حتى لو كانت بريئة . تحصل الأزمات برأي ألان غرينسبان خاصة في الدول التي لا تتنوع فيها الأسواق المالية، بل يتم تمويل الاستثمارات حصرا من المصارف . فالاتكال بشكل كبير وربما وحيد على المصارف يضعف قدرتها على تطبيق معايير السلامة ويجعلها تكبر من دون سبب . هنالك فضائح مصرفية عدة هزت العالم في مراحل مختلفة، اذ ما كنا نعتقده نموذجا للإدارة الجيدة تبين انه خاطئ بل متهور أصاب القطاع سلبا بمجمله وأفقده قسماً كبيراً من ثقة العالم .

ما الدروس؟ ما معايير الوقاية بل السلامة؟ أولا، تجنب أسعار الصرف الثابتة بمستويات عالية لا يمكن الدفاع عنها، ثانيا، تجنب الاستدانة بالنقد الخارجي خاصة لآجال قصيرة عندما تكون الايرادات بالمحلي، ثالثا، التركيز على سلامة المؤسسات المصرفية عبر الرقابة وحسن الادارة وتطبيق معايير بازل ،3 رابعا، وجود احتياطي نقدي بالعملات الأجنبية يغطي على الأقل 4 أشهر من الواردات العادية . أخيرا، في كتاب صدر منذ أسابيع للكاتبين أدماتي وهيلويغ، يطلبان فرض معايير سلامة قاسية جدا على المصارف أي أكثر بكثير مما يطلبه مصرف التسويات الدولية . في هذه الحالة، لا تحتاج المصارف للاقتراض لتمويل عملياتها وبالتالي تنخفض إمكانية التعثر أو الإفلاس إلى حدودها الدنيا . يقول الكاتبان إن العلاقة السلبية بين النمو والسلامة خاطئة اذ يمكن تحقيق الاثنين معا . الاقتراح جيد ويتم التداول به دوليا الا أنه لا يحل مشكلة سوء التصرف والانحدار الأخلاقي والمغامرات غير المدروسة المبنية على الغش والكذب .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"