قمة واشنطن وريادة أمريكا الاقتصادية

04:51 صباحا
قراءة 3 دقائق

قلل البيت الابيض من اهمية القمة الاقتصادية للدول العشرين الكبرى وعدد من الدول الصاعدة اقتصاديا التي يستضيفها الرئيس الامريكي جورج دبليو بوش في واشنطن منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الجاري . وليس ذلك بمستغرب من ادارة لم يبق لها في السلطة سوى عدة اسابيع، لكن السبب في التصريح العلني ان القمة قد لا تخرج بقرارات او حلول للازمة المالية والاقتصادية العالمية هو اصرار فرنسا التي تترأس الدورة الحالية للاتحاد الاوروبي على ان تتخذ قرارات، والا تكون القمة مجرد مناسبة للكلام والنقاش فقط، على حد تعبير الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي خلال زيارة له لآسيا .

ويحلو للإعلام ان يركز على الخلافات، وتصوير الامر على انه شقاق بين اوروبا وأمريكا بشأن الازمة الحالية: جذورها وسبل مواجهتها . صحيح ان هناك تبايناً في الرؤى، خصوصا فيما يتعلق بجذور الازمة والموقف من اساليب الصناديق الاستثمارية الخاصة والمغلقة وصناديق التحوط التي تتفادى ضوابط اللوائح والاجراءات، إلا ان ذلك لا يعني شقاقا . فالجميع يواجهون الازمة معا ومهما كانت الاسباب فلا يمكن لطرف ان يعتبر نفسه قادرا على الافلات من تأثيرها . ويبقى الجدل بشأن الاجراءات واللوائح مادة نقاش في القمم والمؤتمرات اما الحلول العملية العاجلة فهي ما تقوم به كل دولة في قطاعها المالي او بالتنسيق مع الدول الرئيسية الاخرى كما حدث في خفض اسعار الفائدة .

مع ذلك فأن تكون قمة واشنطن مجرد مناسبة علاقات عامة لالتقاط الصور وإلقاء الكلمات واطلاق التصريحات ليس بالامر الذي يخدم الريادة الاقتصادية العالمية التي تتمتع بها الولايات المتحدة الامريكية، ليس فقط بسبب كونها القوة العظمى الوحيدة في عالم اليوم ولكن لأن اقتصادها لا يزال قاطرة الاقتصاد العالمي حتى الآن على الرغم من كل مشاكله . وربما لهذا السبب كان اعلان واشنطن في البداية عن انه ستكون سلسلة من القمم الاقتصادية لبحث سبل مواجهة الازمة العالمية . ومن غير المعروف ان كانت ادارة بوش هي التي ستشارك في بقية القمم المزمعة أم الادارة الامريكية الجديدة، إذ لم يعلن عن اي توقيتات اخرى بعد .

المشكلة هنا ليست ان الولايات المتحدة لا تتفق مع التوجه الاوروبي نحو مزيد من الضوابط على عمل القطاع المصرفي والتدقيق اكثر في نشاطات الاسواق، ولا أن اوروبا اكثر ميلا لاتخاذ اجراءات حمائية تحد من حرية السوق المفتوح . واتخذت واشنطن بالفعل منذ بدأت الازمة تتخذ اجراءات مماثلة، من تأميم مؤسسات مالية الى زيادة الضوابط والتدقيق في الالتزام باللوائح والإجراءات . لكن المشكلة ان الادارة الحالية ليس بوسعها ان تلزم نفسها وبالتالي الادارة الجديدة بأي اتفاقات دولية او تعهدات مع بقية القوى الاقتصادية في العالم قد ترى الادارة الجديدة انها لا تتسق مع خططها للاصلاح الاقتصادي الامريكي . من هنا يأتي التردد الامريكي في ان تخرج قمة منتصف نوفمبر/تشرين الثاني بأي قرارات او التزامات، على ان تقتصر على التشاور ويترك امر الاجراءات العملية للرئيس الجديد الذي يتولى مهامه في يناير/كانون الثاني المقبل .

وربما يوفر ذلك فرصة لرئيس الوزراء البريطاني غوردون براون، الذي يسعى لتقديم نفسه على انه يقود الجهود العالمية للتوصل لحلول للازمة الحالية، لكي يلعب دور الموفق بين موقف الاتحاد الاوروبي وأمريكا . كما ان القمة ستكون مناسبة له ايضا ليستعرض جهوده مع دول الخليج، وغيرها، لاقناعها بتقديم مساهمة اكبر في أي حلول مطروحة للأزمة المالية والاقتصادية العالمية . لكن ذلك لن يجعل براون وبريطانيا في موقع ريادة اقتصادية عالمية على حساب الدور الامريكي التقليدي ما يعني في النهاية ان الانتقاص من الدور الريادي الامريكي لا يمكن وقفه الآن ولو الى حين .

والارجح ان الاسواق في العالم ستلتزم الهدوء والحذر في الاسابيع التي تفصل بين انتخاب الرئيس الامريكي الجديد وبدء توليه مهامه وبروز ملامح سياسته الاقتصادية . ولا ننسى هنا ان تلك فترة هدوء موسمية بسبب عطلات اعياد الميلاد ورأس السنة، وغالبا ما لا تشهد نهاية العام تحركات كبرى في السوق في الاحوال العادية . صحيح ان الاقتصاد العالمي لا يمر باحوال عادية، لكن الاجراءات العاجلة التي اتخذتها الدول الرئيسية في الاسابيع الاخيرة هدأت من روع الاسواق الى حد ما وخففت بعض الشيء من ازمة الانكماش الائتماني العالمي .

ومع ان الاقتصاد كان الملمح الرئيسي في الحملة الانتخابية للرئاسة الامريكية، إلا ان الاسواق لم تهتم قليلا بالتصريحات الانتخابية وتنتظر في الاغلب ملامح السياسة العملية التي سيتبعها الرئيس الجديد .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"