التناقض الصحي بين التكلفة والفعالية

03:18 صباحا
قراءة 3 دقائق

ليس صحيحاً أنه كلما ارتفع الإنفاق تحسن الأداء وتطورت المؤشرات في الصحة وغيرها . تكلفة الصحة باهظة بسبب ارتفاع تكلفة الاستشفاء والطبابة وكل أنواع المعالجات المخبرية التي تتطلب قدرات تقنية متقدمة في الآليات والجهاز البشري وغيرها . حتى في الدول التي عرفت نمواً قوياً، لم تتقدم المؤشرات الصحية بالوتيرة نفسها لأن الصحة ليست موضوعاً اقتصادياً فقط بل إنساني واجتماعي أيضاً . تحديات الصحة كبيرة وخطرة ومن لا يواجهها يسيء إلى مجتمعاته من كل النواحي حتى الاقتصادية منها . لتقوية الأنظمة الصحية، على الحكومات التحرك في اتجاهات ثلاثة أي تحسين المؤشرات، اعتماد مصادر التمويل المناسبة في التكلفة والأمد، وتطوير المؤسسات المعنية من مستشفيات ومختبرات وجامعات ومؤسسات عامة معنية بالرقابة والإجراءات ونوعية الأداء . النظام الصحي الفاعل هو الذي يستطيع المواطن الاستفادة منه أي ذو تكلفة مقبولة، أي يكون فاعلاً ويقدم خدمات بنوعية مرتفعة . هنالك دول قليلة تنعم برؤية صحية متكاملة تريح المواطن ولا ترهق الموازنات .

الجميع يتكلم عن الأنظمة الصحية الكندية والبريطانية والكوبية كمضرب مثل للأنظمة الفاعلة ذات التكلفة المتوازنة .

من المفروض أن تسعى كل دولة إلى تحسين مستوى المؤشرات الصحية، حماية الأفراد والعائلات في وجه التكلفة العالية للخدمات الصحية والاستشفائية والمخبرية والسعي الدائم إلى تحقيق فعالية الإنفاق بحيث لا تهدر الأموال أو تنفق على قطاعات أخرى أقل أهمية تسمح للفساد بالانتشار بشكل مضر . كل منطقة تعاني انتشار أمراض معينة تبعاً لطبيعة الأرض والمناخ والأوضاع الصحية وطرق المعالجة وغيرها . في دول أوروبا الشرقية ووسط آسيا مثلاً، تنتشر أمراض القلب غير المعدية لكنها قاتلة للشخص إذا لم تتم معالجتها في الوقت المناسب . تكلفة عمليات القلب مرتفعة، فمن يدفع القطاع الخاص أم الدولة؟ هنالك ملايين من الناس غير مضمونين، وبالتالي يموتون قبل إجراء العمليات المتخصصة . الموازنات العامة لا تكفي لمعالجة مشاكل السكان الصحية خاصة في وقت تعاني الدول العجز المالي وتراكم الدين العام . لا ينجح القضاء على أمراض القلب فقط من العمليات الجراحية والمعالجات الطبية بل يجب الذهاب إلى مصدر المشكلة أي تفشي التدخين واستهلاك المشروبات الروحية بكميات مضرة . مواجهة واقع الضغط المرتفع والكوليسترول عبر الغذاء والرياضة، كما الأدوية تساهم من دون شك في تخفيف حوادث أمراض القلب .

تعاني إفريقيا من أمراض متعددة تنتشر بسهولة وسرعة كالملاريا والسل والإيدز وهي تتحكم بحياة المواطنين وإنتاجيتهم وعمرهم المرتقب . 99% من حالات الموت من هذه الأمراض تحصل في الدول الفقيرة . ضعف القوة الشرائية كما حجم الموازنات العامة المتواضع يجعلان من مهمة القضاء على هذه الأمراض صعبة جداً . في المنطقة العربية تعاني المجتمعات أمراضاً مختلفة آخرها السمانة بسبب المأكولات الجيدة وعدم التنبه إلى مساوئ الإفراط في الطعام وعدم اللجوء إلى النشاطات الرياضية لحرق بعض السمانة الضاغطة على القلب والحيوية، لذا ترتفع تكلفة الاستشفاء من دون أن تتحسن المؤشرات . تحتاج المنطقة العربية كما غيرها إلى حملات توعية كي يقدر المواطن خطر السمانة المفرطة التي تعجل في الموت والأمراض السريرية . في كل حال تضرب السمانة إنتاجية العمل وبالتالي تخفض نسب وفرص النمو كما التنمية المستدامة .

إضافة إلى أمراض القلب، هنالك سببان آخران كبيران لحوادث الموت في أوروبا وآسيا الوسطى هي ارتفاع نسبة وفيات الأطفال أي الموت قبل ال 28 يوماً من العمر إضافة إلى حوادث السير الناتجة أصلاً عن سوء استهلاك الكحول والقيادة بسرعة مرتفعة . تبقى الوقاية أفضل من العلاج بحيث يثقف المواطن بشأن مخاطر القيادة تحت تأثير المشروبات وعدم الاهتمام بالرياضة التي تبقى الدواء الأفعل لمحاربة الكولستيرول . جميع الدول اليوم تسعى إلى محاربة استهلاك التبغ لكن المواطنين يتجاهلون النصائح في العديد من الأحيان بالرغم من الضرائب المرتفعة المطبقة على استهلاكها . المدمن لا يخشى الضرائب وهو مستعد بالتضحية بأمور أهم كي يبقي على استهلاكه المضر . الإدمان على الكحول أو المخدرات أو الدخان أو غيرها تقيد حرية الإنسان الذي يصبح عبداً لها تسيره في حياته وتعجل في مماته وتسيء إلى مستوى معيشة العائلة التي تنسخ أحياناً هذه العادات . انتقال الإدمان من الأهل إلى الأولاد ليس استثنائياً بل يحصل في كل المجتمعات .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"