حزمة قوانين إصلاحية في مصر

04:03 صباحا
قراءة 4 دقائق

وافق البرلمان المصري في الآونة الاخيرة على عدد من مشروعات القوانين المهمة في إطار برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تم تسريعه قبل خمس سنوات ثم تباطأ بشدة في العامين الأخيرين . وأحدث تلك القوانين هو قانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات الذي حظي بتأييد غير مسبوق مجلسي البرلمان (الشعب والشورى) وقبله قانون حول الشراكة بين القطاعين الخاص والعام في مشروعات الخدمات والمرافق ويليه قانون جديد للتأمين الصحي يغير تماماً طريقة توفير الرعاية الصحية في البلاد .

وبقدر ما توفر حزمة القوانين تلك فرصاً واعدة للمستثمرين، المصريين والأجانب، في قطاعات ظلت حتى الآن مغلقة على استثمارات الحكومة والقطاع العام، إلا أنها أيضاً تثير كثيراً من علامات الاستفهام حول مدى القبول الشعبي الواسع لها وسط معارضة سياسية رغم سلامتها القانونية والتشريعية وسط انتقادات حادة لبعضها ولجوانب في أخرى ما يعني احتمالات مخاطر عند التطبيق .

شهد قانون التأمينات الجديد تأييداً غير مسبوق لوزير المالية المصري الذي يصور في الصحف المعارضة للحكومة على أنه مجرد جابي ضرائب ويتعرض لانتقادات حتى من بعض أعضاء الحزب الوطني الحاكم في مصر . وربما كان سبب الترحيب بالقانون الجديد أنه يضمن توفير راتب تقاعد حكومي لكل المواطنين، مع إزالة الحد الأقصى لمعاشات التقاعد رغم أن القانون يرفع سن التقاعد من سن 60 إلى 65 وإن كانت الحكومة عادة لا تجد مشكلة في تمرير القوانين في البرلمان مع الأغلبية الكاسحة للحزب الحاكم في مجلسيه . إلا أنه في ما يتعلق بموضوع التأمينات ومعاشات التقاعد الحكومية بالتحديد، احتاج الفريق الاقتصادي في الحكومة للترويج للقانون ليكون مقبولاً على نطاق واسع في ظل الانتقادات وتشكيك المعارضين .

إذ يقول البعض إن الحكومة إنما أرادت بتشريع قانون جديد أن تلتف على مديونيتها لصندوق التأمينات العام الذي اقترضت منه مئات مليارات الجنيهات لسد عجز ميزانياتها في سنوات متتالية، وأنها تريد التهرب نهائياً من تسديد تلك الديون . وربما كان ذلك صحيحاً، أن القدر الأكبر من مديونية الحكومة لصندوق التأمينات يمكن أن يخفف من عبء العجز والدين العام . كما أن القانون الجديد يرفع أقساط التأمين المحصلة من العاملين مقابل الامتيازات التي يقدمها ولم تكن في القانون الحالي ومنها أيضاً توفير إعانة بطالة لمن لا يجد عملاً أو يفقد وظيفته . وتستهدف الحكومة من زيادة الاشتراكات زيادة معدل الادخار القومي الذي يسهم بدوره في الحد من العجز في الميزانية العامة للدولة .

أما قانون التأمين الصحي الجديد فيلاقي معارضة أكبر، إذ ينظر إليه الناس على أنه وسيلة من جانب الحكومة للتخلي عن عبء الرعاية الصحية المجانية لغير القادرين . ومع تشكك الجماهير في نوايا الحكومة كما في أغلب البلاد يخشى كثيرون من أن يكون مشروع قانون التأمين الصحي الجديد مقدمة لخصخصة الرعاية الصحية في البلاد تماماً مما قد يحرم نحو نصف السكان من غير القادرين من الحصول على العلاج في حالة المرض . وربما بسبب المعارضة وتلك المخاوف أجلت الحكومة طرح مسودة القانون على البرلمان في دورته الحالية وإن كانت مصممة على تمريره في البرلمان الحالي على أية حال، لكنها فقط ترغب في مزيد من النقاش حوله للحد من مخاوف الجماهير .

ومنذ عين الرئيس مبارك حكومة أحمد نظيف، رئيس الوزراء، عام 2004 عمل الفريق الاقتصادي في الحكومة على تسريع الإصلاح الاقتصادي عبر عملية خصخصة واسعة لضبط مؤشرات الاقتصاد الكلي للاقتصاد المصري حتى يتمكن من جذب الاستثمارات الأجنبية التي يحتاجها بشدة لتحسين فرص النمو . إلا أن برنامج الإصلاح تباطأ بشدة إلى حد يقارب التوقف في العامين الأخيرين، ليس فقط بسبب المعارضة السياسية وانتقادات جماهيرية لعمليات الخصخصة التي أدت إلى تسريح عدد معقول من العاملين، ولكن بسبب الأزمة المالية العالمية والركود الاقتصادي الذي حد من الاستثمارات الأجنبية والتي ربما لم يتأثر بها الاقتصاد المصري بشدة .

ومع التوقعات بالتعافي الاقتصادي العالمي، واحتمال عودة شهية المستثمرين للدخول مجدداً في أسواق صاعدة، يسعى الفريق الاقتصادي في حكومة نظيف لاقتناص الفرصة وتوفير الإغراءات للمستثمرين . ولأنه لم يعد هناك كثير من الأصول الحكومية التي يمكن طرحها ضمن برنامج إدارة أصول الدولة يجري إعداد مشروعات القوانين وتمريرها عبر البرلمان لتفتح قطاعات المرافق والخدمات العامة أمام القطاع الخاص .

وليس قانون شراكة القطاع الخاص مع القطاع العام بجديد تماماً، لكن في ظل قوانين موجودة بالفعل هناك مشروعات قليلة تجري بتلك الطريقة . ومنها نموذج مشروعين لمعالجة مياه الصرف الصحي . لكن تقنين تلك المشاركة بما يفتح الباب أمام دخول الاستثمار الخاص في مرافق مثل المياه والكهرباء وغيرها، وخدمات كالطرق والسكك الحديدية ربما لا يكون بالسهولة التي تمت بها مشروعات معالجة الصرف . ويشار هنا إلى أن المشاركة بين القطاعين الخاص والعام لم تكن ناجحة، حتى في أكثر الاقتصادات الرأسمالية رسوخاً . ففي بريطانيا اضطرت الحكومة إلى إلغاء الشراكة مع القطاع الخاص في مشروعات السكك الحديدية ومترو الأنفاق، واستعاد القطاع العام الخدمة بعد خسارة الميزانية العامة أموالاً طائلة دون تحسن الخدمات .

كما أن هناك مشكلة تفاصيل عقود الشراكة، التي يخشى دوماً من المخاطر المتعلقة بها في ظل انتشار الفساد الحكومي . وبما أن أغلب تلك المشروعات ستتعلق بخدمات أساسية للمواطنين، فهناك أيضاً مشكلة تسعير المنتج النهائي التي ستكون دوماً محل جدل بين المستثمر الخاص والحكومة التي لا تستطيع تحمل رد الفعل الشعبي على ارتفاع أسعار الخدمات الأساسية . وقد يجعل ذلك بعض عقود الشراكة عديمة الجدوى الاستثمارية، وربما تصل المخاطر إلى حد الخسارة . أضف إلى كل ذلك أن مثل هذه القوانين، التي تم تمريرها على عجل في البرلمان، تظل عرضة لإعادة النظر في حال أي تغيير سياسي في البلاد .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"