العملات والأداء الاقتصادي

23:42 مساء
قراءة 3 دقائق
تؤكد التجارب الاقتصادية في مختلف بلدان العالم وعلى مر العصور أن الأداء الاقتصادي لابد أن ينعكس على سعر صرف العملة الوطنية إيجاباً أو سلباً حسب معطيات الأداء، وقد تدهورت أسعار صرف عملات وطنية في مختلف بلدان العالم، خصوصاً الدول النامية بما جعل القوة الشرائية لدى المواطنين في البلد المعني غير ذات بال. وتشير التجارب العربية في بلدان مثل مصر والسودان وسوريا وليبيا والعراق واليمن كيف تراجعت أسعار صرف العملات خلال الفترة من منتصف الخمسينات من القرن الماضي وحتى يومنا هذا نتيجة لعوامل سياسية دفعت عجلة الاقتصاد نحو التردي بشكل غير مسبوق، لكن أسعار صرف العملات يمكن أن تتراجع حتى في البلدان الصناعية المتطورة نتيجة لعوامل تتعلق بميزان التجارة الدولية أو بفعل ميزان المدفوعات أو ارتفاع قيمة المديونية الخارجية للبلاد.أي أن العوامل التي تؤدي إلى زيادة الالتزامات الخارجية مثل مدفوعات خدمة الديون الخارجية مقابل تراجع الايردات السيادية وتدفقات الاستثمارات الاجنبية يمكن أن تؤدي إلى تراجع سعر صرف العملة.وواجهت الولايات المتحدة الأمريكية مشكلات جدية في علاقاتها الاقتصادية بالعالم الخارجي منذ بداية السبعينات من القرن العشرين وبعدما مكنت ادارة الرئيس الراحل ريتشارد نيكسون الارتباط بين سعر صرف الدولار وسعر الذهب ومن ثم تعويم سعر صرف الدولار، وهذه المشكلات نتجت بفعل تراجع الميزات النسبية للعديد من الصناعات التحويلية والأنشطة الاقتصادية الأخرى في الولايات المتحدة مما أدى للاعتماد على الواردات من السلع من مختلف البلدان الصناعية والبلدان النامية، وفي الوقت ذاته تراجع قيمة صادرات السلع الأمريكية. ومما لا شك فيه أن ارتفاع قيمة الايرادات مقابل انخفاض قيمة الصادرات أدى إلى خلق عجز هيكلي في ميزان التجارة للولايات المتحدة استمر بالارتفاع خلال السنوات والعقود الماضية. وواجه الدولار هبوطاً في الثمانينات من القرن الماضي بلغ حدوده القصوى في العام 1985 مما دفع البنوك المركزية الأساسية في البلدان الصناعية للتدخل لتوفير حماية ضمن حدود اسعار صرف معقولة، ونتج عن اجتماع فندق البلازا في نيويورك في العام 1985 وضع حد للتراجع في سعر صرف الدولار آنذاك والذي انخفض إلى مستوى الدولارين للجنيه الاسترلينيني الواحد ومما لا جدال فيه أن تلك الأوضاع آنذاك جاءت بعد انخفاض في معدلات التوظيف وارتفاع في معدلات التضخم مما دفع عدداً من الاقتصاديين لتوصيف الحال بStagflation أي التضخم والركود أو الركود التضخمي.وتواجه الولايات المتحدة في الوقت الراهن مشكلات مهمة لدى عدد من المؤسسات المصرفية والمالية نتيجة أزمة الرهونات العقارية حيث تزايدت عمليات عجز أداء خدمة الديون التي استخدمت لاقتناء المساكن في عدد من الولايات الأمريكية، ودفع الأمر العديد من تلك المؤسسات لأخذ احتياطيات مقابل تلك الديون بلغت مليارات عدة من الدولارات لعدد من المؤسسات الرئيسية مثل سيتي بنك أو بنك أوف أمريكا. وإذا كانت هذه الأوضاع قابلة للمعالجة نتيجة لقدرات تلك المؤسسات وامكانات الاستيعاب ضمن آليات الاقتصاد الامريكي إلا أنها تظل مثيرة للقلق، وربما تدفع لتقليص عمليات التمويل أو الحرص في تقديمها مما يعطل عمليات التوسع في الأنشطة الاقتصادية. كل ذلك دفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي لمراجعة السياسات النقدية المتبعة واتباع سياسات نقدية تهدف لتحفيز النشاط الاقتصادي خصوصا في قطاع السكن الذي يعاني من الركود منذ ما يقارب العام.وخفض مجلس الاحتياطي الفيدرالي سعر الخصم مرتين متتاليتين خلال فترة زمنية قصيرة نسبياً.لا يمكن وصف الاقتصاد الأمريكي في الوقت الحاضر بالساكن أو الذي يعاني من الركود حيث إن معدلات النمو مازالت إيجابية، وإن انخفضت عن ما هو متوقع لها، كما أن معدل البطالة مازال منخفضاً وهو بحدود 4،7 في المائة من اجمالي قوة العمل. وهناك طلب على العمالة لدى القطاعات الخدمية ويبدو أن السلطات النقدية في الولايات المتحدة تريد التأكد من تحفيز الاقتصاد على النمو والقدرة على خلق الأعمال وفرص العمل، ولابد أن تؤدي هذه السياسات النقدية لتراجع سعر صرف الدولار قياساً بالعملات الرئيسية الأخرى خصوصا اليورو والجنيه الاسترليني والفرنك السويسري، وأدى انخفاض سعر صرف الدولار الى تحسن في قيمة العجز في الميزان التجاري الأمريكي، أي تراجع قيمة العجز مما يعني تخفيف الأعباء المتراكمة ضمن الديون الخارجية، والذي يقترب من مستويات منهكة حيث يتزايد بحدود 800 مليار دولار سنوياً، ويلاحظ أن البنوك المركزية العالمية الرئيسية مثل البنك المركزي الأوروبي أو بنك اليابان أو بنك انجلترا لم تتدخل في سوق النقد من أجل حماية سعر صرف الدولار.هل تستمر هذه البنوك المركزية في سياساتها الهادفة لتحرير هذه الأسواق من التدخلات أو ترضخ لشكاوى الكثير من الشركات خصوصا الأوروبية التي بدأت تعاني في تسويق منتجاتها نظراً لانخفاض سعر صرف الدولار؟
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"