ما هي الأسباب الكامنة وراء ارتفاع النفط؟

23:43 مساء
قراءة 3 دقائق
دأب عدد من المراقبين لأسواق النفط على الزعم بأن ارتفاع أسعار النفط في السنوات الأخيرة، وفي الآونة الأخيرة نتج عن مضاربات في أسواق الأجل أو بسبب الأوضاع الأمنية غير المستقرة في نيجيريا والعراق، وهما من البلدان الرئيسية المصدرة للنفط، لكن أن تستمر الارتفاعات في الأسعار لمدى زمني قد يزيد على سنوات خمس، فإن المسألة فيها نظر. تشير البيانات المنشورة إلى أن سعر برميل النفط ارتفع خلال هذا العام بنسبة 56 في المائة، وبما يعادل 365 في المائة خلال عشر سنوات، يعني ذلك أن الارتفاع ليس وليداً لأحداث آنية محدودة، ولكنه مرتبط بتطورات اقتصادية أساسية في مختلف بلدان العالم الصناعية والنامية. وعلى العكس من الارتفاعات في الأسعار في الصدمتين النفطيتين الأولى والثانية في عامي 1974 و،1979 فإن المسألة في الوقت الحاضر تتعلق بعوامل اقتصادية هيكلية.في الصدمة النفطية الأولى عام 1974 حدث توقف في تدفق الإمدادات النفطية نتيجة لحرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973 وقرار البلدان العربية المنتجة للنفط وعلى رأسها السعودية وقف الإمدادات دعماً للموقف المصري والعربي عموماً في الحرب مع إسرائيل واحتجاجاً على دعم الولايات المتحدة وبلدان غربية أخرى لإسرائيل سياسياً وعسكرياً.أما الصدمة النفطية الثانية فنتجت عن المخاوف من الثورة الإيرانية وتأثيرها أيضاً في تدفق الإمدادات البترولية في العام 1979 وأدت الصدمة الثانية إلى اضطراب في اقتصادات الطاقة ودفعت الحكومة الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة لاعتماد سياسات ترشيد للاستهلاك في الطاقة في الصناعة والمساكن وغيرها من مبانٍ، وكذلك وضع استراتيجيات لرفع كفاءة استخدام مشتقات النفط والبنزين أساساً في وسائط النقل الجوي والبري والبحري، لماذا نعتبر الأوضاع مختلفة في الوقت الراهن؟هناك أسباب موجبة يقدر الطلب على النفط حالياً ب 85 مليون برميل يومياً يجري استهلاك 21 مليون برميل في الولايات المتحدة وحدها أي بنسبة 25 في المائة من الاستهلاك العالمي، في حين أن عدد سكان الصين يقترب من 1،3 مليار نسمة فإن الاستهلاك من النفط يقدر بحوالي 7،3 مليون برميل يومياً.هناك أيضاً الهند التي توسعت رقعة الطبقة الوسطى فيها وزاد عدد أفراد هذه الطبقة إلى أكثر من 200 مليون نسمة من أصل مليار نسمة هو إجمالي السكان، ما يعني تحسن القدرة الشرائية وارتفاع التوقعات الاستهلاكية بما يزيد الطلب على وسائط النقل وأنماط الاستهلاك الترفي الذي يعني زيادة في استخدامات الطاقة والوقود.إن هذه الحقائق تؤكد أن الاقتصاد العالمي يشهد ازدهاراً حقيقياً قادراً على الاستمرار لأمد طويل على الرغم من المشكلات البنيوية في عدد من القطاعات الاقتصادية مثل مؤسسات الائتمان والقطاع المصرفي وقطاع السكن في الولايات المتحدة، وإذا كان هناك من يطرح قضية ترشيد استهلاك النفط والبحث عن بدائل أخرى للطاقة تخفف من الاعتماد على النفط فإن الوصول إلى مثل هذه الأهداف يبدو بعيد المنال في ظل المعطيات المعلومة في الوقت الراهن على الأقل. وليس من الخيال توقع أن يصل الطلب على النفط إلى حدود 100 مليون أو 110 ملايين برميل في اليوم خلال السنوات المقبلة، أو قبل نهاية العقد المقبل أي في حدود 2020 إذاً التساؤل هنا: هل ستتوقف الأسعار عند حدودها الحالية التي اقتربت كثيراً من حاجز المائة دولار للبرميل؟ أم أنها ستستمر في الصعود؟ هناك سيناريوهات متعددة وتوقعات مختلفة بموجب استقراءات إحصائية قام بها باحثون مختصون، إلا أن تحديد سقف للأسعار يظل صعباً ولا بد من انتظار التحولات الاقتصادية التي قد تنتج عن هذه الارتفاعات في الأسعار.من جهة أخرى يتخوف رجال أعمال واقتصاديون أن يؤدي الارتفاع في أسعار النفط إلى حدوث تضخم في النظام الاقتصادي العالمي مما يزيد من إمكانيات الركود، بيد أن المؤشرات تظل تؤكد بأن سعر النفط وإن اقترب من المائة دولار للبرميل إلا أنه بعد احتساب معامل التضخم خلال السنوات السبع والعشرين الماضية أي منذ الصدمة النفطية الثانية في عامي 1979 و1980 فإن سعر النفط يظل معقولاً بأسعاره آنذاك، والتي تقارب 102 دولار للبرميل إذا احتسبنا عنصر التضخم، ولذلك فإن عناصر التحولات الاقتصادية الجارية في العالم وتحسن الأوضاع المعيشية وتطور أنماط الحياة الاستهلاكية في العديد من البلدان النامية تشير إلى أن الطلب على النفط وارتفاعه يعد أمراً طبيعياً وليس نتاجاً لمشكلات سياسية أو أمنية، وإذا وجدت أو أحدثت تأثيرات على الأمد القصير يتعين على البلدان المنتجة ان تستعد لزيادة الإنتاج وتعزيز قدراتها التقنية في مجالات النفط المتنوعة سواء في قطاع إنتاج النفط الخام أو التكرير وغير ذلك من أجل توفير الإمدادات للدول المستهلكة وكذلك الاستهلاك المحلي المتصاعد مما يعني توفير فرض أعمال تعادل مئات البلايين من الدولارات في قطاع النفط خلال السنوات المقبلة.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"