لماذا نفشل في محاربة البطالة؟

02:22 صباحا
قراءة 5 دقائق
لويس حبيقة

واقع المنطقة العربية أنها تغلي سياسياً وأمنياً لأسباب متعددة يكون فيها الخاسرون الشباب والشابات الذين لا يضحون فقط بمعيشتهم الحالية وإنما بمستقبلهم أيضاً.

السنوات التي تضيع اليوم لا تعوض لأن المستقبل مجهول ولأن الحكومات التي تهتم جدياً بمستقبلهم قليلة حتى لا تكون غائبة.
النزف الحاصل في الاقتصادات العربية يضر بالنمو ويرفع البطالة إلى مستويات لم نشهدها سابقاً، منها 25% على الأقل في لبنان مثلا.
أين يذهب هؤلاء العاطلون عن العمل؟ لحسن الحظ ما زالت دول الخليج تستقطب أعداداً كبيرة منهم وإلا شاهدنا التظاهرات والاحتجاجات يومياً على أبواب السرايا أو مجلس النواب أو القصر الجمهوري في حال وجود رئيس.
تكمن مشكلة البطالة ليس فقط في نسبها المرتفعة وإنما أيضا في الأجور المنخفضة، باستثناء الخليج، والتي لا تليق بخريج جامعة ضحى أهله كما ضحى هو أو هي بالكثير للحصول على الشهادة التي يفتخرون بها ومن المفروض أن تسهل لهم دخول أسواق العمل.
في العالم العربي نسمع اليوم من يتغنى بالماضي حتى لو كانت الذكريات أليمة ،يقولون للأسف أن الاقتصاد كان أفضل حتى لو كانت الحريات أسوأ.
المواطن العربي يكره الفوضى والضياع وسوء الرؤية، وبالتالي قلق تجاه المستقبل في غياب البحبوحة.
من غير المقبول أن نختار بين الاقتصاد والحرية، بل من حقنا كمواطنين أن نحصل على المعيشة المقبولة ضمن أنظمة سياسية تحمي الحريات كلها.
حكوماتنا العربية اليوم لا تهتم كما يجب بأمور البطالة ومستقبل الشباب.
هي غارقة عموماً في فسادها ومصالحها الآنية والخاصة في غياب أي احترام لمبدأ «تضارب المصالح» الذي يسقط السياسيين في الدول المتطورة ويدخل بعضهم إلى السجن مع التعويض على المتضررين من قراراتهم السيئة ،هنالك فارق كبير بين الذكرى والرؤية.
للنجاح مستقبلاً، الخبرة وحدها لا تكفي لأنها تعود للماضي والمطلوب كفاءات مختلفة أو رؤية أكثر واقعية.
تعود الذكرى إلى الماضي المعروف، بينما الرؤية تعالج المستقبل المجهول وتحاول توضيحه تخفيفاً للمخاطر.
الذكرى سهلة لأنها معروفة وسابقة بالرغم من أن تفسير الماضي يرتبط أحيانا بوجهات نظر، وبالتالي تكون موضوع خلاف.
الرؤية مخيفة أحيانا لأنها تتطلب الابتعاد عن الماضي وليس نقضه بالضرورة للوصول إلى حلول أو مستقبل أفضل.
هنالك تحليلات مختلفة للماضي العربي إلا أنها في عمومها سلبية حتى لو مرت فترات قليلة من النهوض تغيب عن الذاكرة الشاملة.
هنالك غياب للرؤية الواضحة وبالتالي هنالك ضياع ليس فقط على المستوى الرسمي العربي وإنما أيضاً على المستوى الشعبي.
نعيش اليوم كل يوم بيومه، وهي أسوأ طرق إدارة الدول والشعوب.
لماذا نترك مشاريع «كوندليزا رايس» أو «هنري كيسنجر» أو «شيمون بيريس» أو غيرهم تنفذ علينا من دون أن نحاول فهمها أو ننظم أنفسنا لمواجهتها ورد الشر بالطرق المناسبة.
حكماً هذه المخططات، من تقسيمات دينية أو مذهبية أو عرقية أو سياسية، ليست في مصلحتنا وتؤدي إلى الشرذمة والضياع والفقر في المستقبل.
لكن من الجهات التي تقاوم فكريا وعقليا وسياسيا المشاريع المضرة قبل أن نحلم بمقاومات أخرى أشد وطأة وتناسب الأوضاع الحالية.
هل هنالك أمل في مستقبل المنطقة العربية الاقتصادي؟ هل هنالك دروس يمكن أن تقتبس أو تعتمد في زمن الشدة والقلق والضعف؟ لا يمكن الاعتماد إلى ما لا نهاية على النفط حتى في الدول التي تصدره كما في الأخرى المستفيدة منه بسبب العمالة والتحويلات.
نحتاج إلى أفكار جديدة لأن الأموال موجودة لكن العقل لا يعمل كما يجب في أيام صعبة كالتي نعيشها اليوم بل معطل لأسباب ثقافية وتربوية وتعليمية.
هنالك مقولة أثبتت قوتها في العديد من الدول وهي أن الأفكار الجيدة تصدر من الزمن الصعب أي «الحاجة أم الاختراع». «إسرائيل» أنتجت اقتصاداً قوياً طبعاً بمساعدة الغرب والولايات المتحدة تحديداً، إلا أننا لا ننكر أنها أبدعت أفكاراً في الداخل ومنه، يقول «شيمون بيريس» في إحدى مقالاته إن الثروة الوحيدة التي تتمتع بها «إسرائيل» هي رأس المال البشري المنتج محلياً، كما المستورد من الهجرة التي حصلت منذ بداية القرن الماضي ومستمرة، حتى وصل عدد السكان إلى ما يفوق 7 ملايين شخص.
يقول إنه عندما اكتشف «الإسرائيليون» في الماضي أن الأرض غير خصبة وأن المياه غير متوافرة بالكميات المطلوبة، تحولوا إلى التكنولوجيا والإبداع التي طورت طرق الانتاج الزراعي ورفعت إنتاجية القطاع كما خفضت تكلفة الإنتاج.
أبدعت «إسرائيل» نسبة لحجمها بسبب المخاطر والتحديات التي تواجهها.

الحجم مهم لانتاج كميات كبيرة من السلع وللاستفادة من عامل «وفورات الحجم» حيث تنخفض تكلفة انتاج السلعة الواحدة مع ارتفاع الإنتاج.

إلا أن الحجم الجغرافي الصغير يفرض على المجتمع إنتاج السلع ذات النوعية العالية للتعويض، وهذا كان حالنا في لبنان قبل حرب السبعينات وافتقدناه منذ ذلك الوقت لألف سبب وسبب.
ها هي «إسرائيل» تعتبر المجتمع الثاني الأكثر إبداعا في العالم بعد الولايات المتحدة.
ما الطرق التي اعتمدتها وهل يمكننا نسخ أو التعلم من تجربتها لتحقيق النمو وتخفيف البطالة؟ من المفروض أن ننجح أكثر منها لأننا إضافة إلى توافر رأس المال البشري ننعم عربياً بالموارد المالية والطبيعية التي يحسدنا عليها العالم أجمع.
أولاً: اعتبرت «إسرائيل» أن المستقبل هو علم وأن من ينجح في الإبداع العلمي ينجح في الاقتصاد والبطالة تحديداً.
استفادت «إسرائيل» كما الولايات المتحدة من خبرات الجيش والقوى الأمنية في الإبداع ونقلته إلى المجتمع المدني.
لا ننكر أن العديد من الاختراعات الكبيرة كالإنترنت بدأت في الجيوش لربط الوحدات ثم انتقلت إلى المجتمع.
دور الجيوش لا يكمن في الأمن فقط وإنما في الإبداع أيضا.
ثانياً: حققت «إسرائيل» البيئة الثقافية المناسبة التي تحترم الابداع وتشجع عليه حيث يشعر المخترعون بأنهم مكرمون ومطلوبون ومحترمون.
يقول «جورج برنارد شو» إن تبادل الأفكار مفيد حيث يرتفع مستوى الإبداع العام ويصبح المجتمع مصنعاً للأفكار الخلاقة.
ثالثاً: اعتمدت «إسرائيل» السياسات الاقتصادية المناسبة من تمويل للإبداع وتسجيل لبراءات الاختراع ودعم للعلوم والمختبرات.
تعيش «إسرائيل» في حالة حرب مستمرة لأنها قلقة على مستقبلها وهذا يولد لديها ضرورة العمل أكثر وليس الجلوس والانتظار.
رابعاً: استفادت «إسرائيل» إلى حدود بعيدة وما زالت من اليهود الموجودين خارجها من النواحي المادية والفكرية والتعليمية والثقافية.
ينعم لبنان بطاقات كبيرة مماثلة في الخارج، إنما درجة تواصل واستفادة لبنان منها ضئيلة جداً مقارنة بالحالة «الإسرائيلية».
خامساً: الشعور الرسمي والشعبي باستمرار الحاجة للإبداع، وهذا ما يطور طاقات فكرية كبيرة تنتج وتتطور لتعطي نتائج اقتصادية أفضل.
سادساً: نجحت «إسرائيل» عبر ربط الجامعات والمختبرات وقطاع الأعمال عبر شبكة اتصال وتواصل في تشجيع الشباب والشابات على تأسيس الشركات عوض العمل في الشركات الكبيرة، مما سهل نشوء الاختراعات بالرغم من المخاطر الكبيرة التي تواجه دائما المخترعين الأفراد.
المطلوب عربياً ليس الاستمرار العادي في الحياة فقط، بل الاستمرار عبر النجاح الذي يطور الاقتصاد ويخفف البطالة والهجرة.
المطلوب عربياً تحسين التربية والتعليم ليس عبر زيادة سنوات التدريس بل عبر رفع النوعية والمحتوى.
لوقف هجرة الأدمغة، المطلوب أيضاً معالجة الخلل السياسي الاجتماعي الأخلاقي والأمني الحاصل الذي لم نشهده منذ عقود وربما قرون.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"