سوق «التمويل الأخضر» في دول الخليج

01:20 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. أيمن علي *
لعل الإمارات في وضع يمكّنها من ريادة هذا القطاع الجديد، ومع أهدافها الطموحة التي بدأت في تنفيذها ضمن التزامها باتفاقية باريس، وسعي دبي وأبوظبي لتطوير أسواقهما المالية والقطاع المصرفي فيهما.

منذ توقيع دول العالم على اتفاقية باريس للمناخ عام 2016، تشهد اقتصادات دول العالم تحولاً قد لا يبدو ملحوظاً جداً نحو ما يسمى «الاقتصاد الأخضر» Green Economy، أي الاستثمار في المشروعات التي تؤدي إلى انخفاض نسبة الانبعاثات الكربونية للتقليل من عوامل التغير المناخي التي تهدد الحياة على الأرض. وتتوقع الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (أيرينا) نمو قطاع الاقتصاد الأخضر بمعدل سنوي 179% ما بين عام 2018 و2020 ليصل حجم إنتاج الطاقة من مصادر متجددة 7 جيجاوات.

وحددت كل دولة لنفسها ما تسمى «مساهمة وطنية» Nationally Determined Contribution) (NDC في تحقيق أهداف اتفاق باريس من خفض الانبعاثات الكربونية وتقليل عوامل الاحتباس الحراري لمواجهة تحديات التغير المناخي.

وتعد دول الخليج، وفي مقدمتها دولة الإمارات، من أكثر الدول التي أبدت التزاماً صارماً باتفاقية باريس ووضعت سقفاً عالياً لمساهماتها الوطنية في مواجهة التغير المناخي، ما يعني بالتالي آفاقاً أوسع لنمو الاقتصاد الأخضر فيها بوتيرة أسرع عن بقية العالم. فعل سبيل المثال، تعهدت الإمارات بأن يصل نصيب الطاقة النظيفة من إجمالي الطاقة فيها إلى نسبة 27% بحلول 2021، وذلك عبر خفض معدلات حرق الغاز وتحرير أسعار الوقود وزيادة ضبط وتخزين الكربون وتبنّي معايير عالية الكفاءة للمباني والأجهزة المنزلية لتقليل الانبعاثات الكربونية.

وضمن استراتيجية الطاقة الإماراتية حتى عام 2050، تستهدف الدولة خفض انبعاث ثاني أوكسيد الكربون في عمليات توليد الكهرباء بنسبة 70% وزيادة نصيب الطاقة النظيفة في إجمالي الطاقة المستهلكة من 25 في المئة إلى 50% وتحسين كفاءة الاستهلاك المنزلي والصناعي للطاقة بنسبة 40 في المئة بحلول منتصف القرن الحالي.

كما تضمنت رؤية 2030 في السعودية، التي تستهدف تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد الشديد على البترول، التزام المملكة ضمن اتفاقية باريس. ومن بين NDC للمملكة، إنتاج 3.45 جيجاوات من مصادر متجددة بحلول 2020، ترتفع إلى 9.5 جيجاوات بحلول 2023 على أن يصل نصيب الطاقة من المصادر المتجددة من إجمالي الطاقة في البلاد إلى 30 في المئة بحلول 2030.

كذلك، تعمل الكويت وعُمان على تلبية التزاماتها تلك، بمشروعات للطاقة المتجددة وزيادة كفاءة الاستهلاك المنزلي والصناعي.

وإذا أخذنا استراتيجية الإمارات للعقود القادمة، يمكن تقدير التمويل اللازم لتحقيق تلك الأهداف باستثمارات تزيد على 160 مليار دولار، أي بمعدل استثمار سنوي 4.6 مليار على مدى نحو ثلاثة عقود.

وأدى بروز الاقتصاد الأخضر إلى تطور سوق مشتقات استثمارية جديدة، مثل السندات الخضراء لتمويل تلك المشروعات وبرامج التحول نحو الطاقة النظيفة وتقليل الانبعاثات الكربونية. ورغم أن سوق تلك السندات يُعدّ حديثاً جداً، إذ لم يتجاوز سوى نحو عامين أو ثلاثة، إلاّ أن معدل نموه سريع جداً ويوفر فرصاً جيدة لأسواق صاعدة مثل سوقي دبي وأبو ظبي.

ورغم بداية ارتفاع أسعار الفائدة وتباطؤ وتيرة إصدار السندات، زاد حجم سوق السندات الخضراء العام الماضي بنسبة 3% عن العام السابق، ليصل إلى 167.3 مليار دولار في 2018 مقابل 155 مليار دولار عام 2017، الذي شهد قفزة في التمويل الأخضر عالمياً.

وربما يفهم أن القطاع الرئيسي المعني بالاقتصاد الأخضر هو قطاع الطاقة، وذلك صحيح، لكن نطاق الاقتصاد الجديد أوسع من ذلك، ويشمل قطاعات عديدة من الصناعة والنقل إلى البناء والتشييد والاستهلاك المنزلي. ولعل قطاع البناء والتشييد من القطاعات الواعدة فعلاً، إذ يتطلب التحول نحو مبانٍ عالية الكفاءة من ناحية استخدام الطاقة، منخفضة الانبعاثات الكربونية، استثمارات جديدة.

وذكر تقرير «تمويل المباني منخفضة الكربون بالسندات الخضراء» الصادر في يناير 2019 عن «مبادرة سندات المناخ»، أنه بنهاية نوفمبر 2018 بلغ حجم سندات الدين المخصصة لمشروعات، ومنشآت منخفضة الانبعاثات الكربونية بلغ 126 مليار دولار.

وفي قطاع النقل على سبيل المثال، تسعى دبي وأبو ظبي أيضاً إلى حد ما لأن تكون رائدة في استخدام وسائل نقل ومواصلات قليلة أو منعدمة الانبعاثات الكربونية وعالية الكفاءة في استهلاك الطاقة.

ولعل الإمارات في وضع يمكّنها من ريادة هذا القطاع الجديد، ومع أهدافها الطموحة التي بدأت في تنفيذها ضمن التزامها باتفاقية باريس، وسعي دبي وأبو ظبي لتطوير أسواقهما المالية والقطاع المصرفي فيهما. وقد بدأت بالفعل إجراءات التشريع للاستفادة من فرص وآفاق سوق التمويل الأخضر الصاعد والمتنامي. ففي أكتوبر الماضي دخل قانون إماراتي جديد حيز التنفيذ يوفر إطاراً تشريعياً لإصدار السندات والصكوك، بما يسهل تطوير وتنمية أسواق التمويل الأخضر في البلاد. كذلك انضم سوق أبوظبي للأوراق المالية لمبادرة الأمم المتحدة للبورصات المستدامة.

وكان أول إصدار سندات تمويل طاقة نظيفة في دولة الإمارات عام 2017، من قبل بنك أبوظبي الأول بقيمة 587 مليون دولار (نحو ملياري درهم). ثم في سبتمبر الماضي وقّعت «مصدر» عقد تمويل بقيمة 75 مليون دولار مع 4 بنوك محلية وعالمية، متسقاً مع قواعد التمويل الأخضر.

وإذا كانت تلك السوق في بدايتها عالمياً، ولا تزال وليدة خليجياً، فإن ذلك يعني فرصة أكبر، لمن يتطلع للريادة أن يغتنم تلك الفرصة ليصبح مركزاً عالمياً لها وليس إقليمياً فحسب. وبما أن الإمارات تسعى لأن تكون المركز الرئيسي عالمياً للتمويل الإسلامي، فإن بالإمكان أيضاً الاستفادة من تطوير سوق الصكوك الخضراء ضمن قطاع التمويل الإسلامي.

تصل أصول سوق التمويل الإسلامي إلى 2.1 تريليون دولار، ويتوقع أن تنمو بنسبة نحو 5% في العامين المقبلين. وكان إصدار أول سندات صكوك خضراء في ماليزيا في يوليو 2017، لصالح تاداو إنرجي لتمويل مشروع طاقة شمسية. ومنذ ذلك الإصدار حتى سبتمبر العام الماضي، وصل حجم سوق الصكوك الخضراء إلى 2.1 مليار دولار، تتركز أغلبها في ماليزيا وإندونيسيا.

يتوقع نمو سوق السندات الخضراء بنسبة 8 في المئة العام الجاري، وتمثل منطقة الخليج سوقاً واعدة لتساهم بالقدر الأكبر من نسبة النمو تلك، وخاصة مع تطوير الصكوك الخضراء. وتوفر التحولات المتوقعة في اقتصادات دول المنطقة، خاصة السعودية والكويت وعُمان، سوقاً واعدة لمشتقات التمويل الأخضر، خاصة الصكوك الخضراء التي يمكن أن تكون دبي مركزاً رئيسياً لها.

* كاتب صحفي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"