أسعار النفط وتوقعات متحفظة

03:57 صباحا
قراءة 4 دقائق
أدى تجاوز أسعار النفط حاجز السبعين دولاراً الأسبوع الماضي إلى حمى تحليلات وتوقعات مغرقة في التفاؤل بشأن تطورات سوق النفط في الأشهر المقبلة . وقد بدأت بعض الدول الأعضاء في منظمة أوبك تتحدث عن استعداد المنظمة لزيادة الانتاج في حال استمرار ارتفاع الأسعار لتقترب من مستوى 100 دولار للبرميل .

وكانت تلك التوقعات المتفائلة عن زيادة الأسعار استنادا إلى الآمال القوية بأن الركود الاقتصادي العالمي وصل إلى أسوأ مستوى له من بعض أعضاء أوبك، خاصة السعودية، هي التي جعلت المنظمة تتفق في اجتماعها الأخير على ابقاء وضع سقف الانتاج على ما هو عليه لأن أعضاء آخرين لم يبدوا ذات القدر من التفاؤل .

صحيح ان أسعار النفط ارتفعت بأكثر من 50 في المائة منذ بداية العام، حين وصلت إلى مستوى 30 دولاراً للبرميل، لكنها تظل أقل بكثير من مستوى الصيف الماضي حين تجاوزت 140 دولاراً للبرميل . وصحيح أيضاً ان الارتفاع الأخير في الأسعار جاء متزامناً مع تقرير المخزونات الأمريكية الأسبوعي الذي اظهر تباطؤا في واردات الخام تسبب في انخفاض المخزونات في أكبر مستهلك للطاقة في العالم . لكن ذلك التراجع في المخزون لا يعكس زيادة في الاستهلاك بقدر ما يشير، كما ذكر التقرير، إلى تراجع الشراء للتخزين مع ارتفاع الأسعار قليلاً .

كما ان عاملا آخر ساهم بقدر أكبر في ارتفاع أسعار النفط في الآونة الأخيرة هو استمرار هبوط سعر الدولار الأمريكي، ما يغري المستثمرين والمضاربين باللجوء لشراء عقود النفط .

والواضح ان العودة الحثيثة للمستثمرين والمضاربين إلى سوق عقود النفط الآجلة قد تكون وراء فقاعة (ليست كبيرة او خطيرة) في الأسعار . ذلك ان استهلاك النفط، الذي تعكسه عمليات شراء النفط الفعلي (وليس العقود)، لم يتحسن بالقدر الذي يبرر ارتفاع الأسعار الحالي . وتلك حقيقة في غاية الأهمية تأخذها في الاعتبار الدول المنتجة والمصدرة حين تقرر توقعاتها للأسعار على المدى القصير والمتوسط والتي تبني عليها خططها الاقتصادية عامة .

ففي أحدث تقرير احصائي سنوي لها، قالت شركة بريتش بتروليم (بي بي) ان استهلاك النفط العالمي انخفض بمقدار 420 ألف برميل يومياً عام 2008 في أكبر انخفاض له منذ عام 1982 . وحسب التقرير، استمر استهلاك الوقود في الارتفاع في الاقتصادات الناشئة وخاصة الصين التي استهلكت 260 ألف برميل إضافي يومياً، إلا أن الاستهلاك كان أقل بدرجة كبيرة في البلدان المتقدمة اذ انخفض الاستهلاك بدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بمقدار 5 .1 مليون برميل يومياً، تتقدمها الولايات المتحدة التي سجلت انخفاضا قدره 3 .1 مليون برميل يومياً .

أما بالنسبة للمخزونات فإن تقديرات وكالة الطاقة الدولية، مستشار الطاقة لدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية المتقدمة، تفيد أنها في ازدياد مطرد منذ هبوط الأسعار إلى أدنى مستوياتها مطلع العام . ويقدر حجم المخزون التجاري من النفط الخام لدى الدول الصناعية الكبرى بأنه يغطي الآن 4 .62 يوم، وكانت السعودية أعلنت أنها لن تبدأ في زيادة الانتاج الا عندما يصل المخزون إلى ما يغطي نحو 53 يوماً . ونتيجة انخفاض الأسعار في الربع الأول من العام، اقبلت الدول المستهلكة على الشراء للتخزين مما ساهم بقدر ما في الحفاظ على الأسعار دون التدهور بل ارتفاعها أيضاً .

إذاً، لا يمكن القول الآن ان الطلب على النفط تحسن في ظل استمرار التراجع في استهلاك الطاقة حتى رغم مؤشرات التحسن في الاقتصاد العالمي . أما بالنسبة للعرض فبعض الدول من خارج أوبك تراجع انتاجها، مثل روسيا مثلا، لأسباب تتعلق بالأزمة الاقتصادية العالمية ومن ثم ففي حال كان التحسن حقيقياً ستعود تلك الكميات من الإمدادات إلى السوق .

وإذا كان قرار أوبك خفض الإنتاج بأكثر من أربعة ملايين برميل يوميا بنهاية العام الماضي، فإن الالتزام بتلك التخفيضات لن يكون قوياً في المتوسط . صحيح انه في بداية العام ارتفع الالتزام من 60 إلى 80 في المائة، لكن بمجرد تحسن الأسعار، تراجع ذلك الالتزام حتى ان التخفيض الفعلي في الانتاج لا يزيد على 6 .2 مليون برميل يومياً في المتوسط . وتقود نيجيريا وإيران الزيادة في الانتاج عن الحصص المقررة، لكن دولا أخرى قد تزيد إنتاجها لتحسين عائداتها مع ارتفاع الأسعار .

ومن شأن عودة دول أوبك لزيادة الانتاج ان تؤثر سلباً في الأسعار في ظل استمرار تراجع الطلب الفعلي على النفط، كما ان التفاؤل بشأن الاقتصاد العالمي قد يكون فجراً كاذباً حتى الآن، رغم الأرقام الأسبوعية والشهرية المتذبذبة، وهذا رأي مجموعة معقولة من الاقتصاديين والمحللين . لكن ذلك لا يمنع من أن استمرار هبوط سعر الدولار سيغري المستثمرين أكثر بالمضاربة على عقود النفط الآجلة اثر تحولهم من أسواق العملات، كما أن أي اختناقات إنتاجية كأعمال العنف في نيجيريا أو غيرها قد تسهم في ارتفاع الأسعار . كما ان بداية موسم السفر في أمريكا وزيادة استهلاك البنزين والديزل في الصيف قد يزيد الطلب على المشتقات بقدر ما .

لكن تظل كل تلك العوامل طارئة وأغلبها لا علاقة له بأساسيات سوق النفط من عرض وطلب . فتلك الأساسيات على حالها ولا تدعم التوصل إلى السعر الذي عبرت عنه أوبك (هامش 80 إلى 90 دولاراً للبرميل) . فتراجع الطلب العالمي من أكثر من 85 مليون برميل يومياً إلى نحو 83 مليون برميل العام الماضي مستمر هذا العام، ويعوضه بقدر ما انخفاض انتاج أوبك الحقيقي حتى الآن بما يحافظ على توازن السوق .

وما لم تحدث تغيرات ملموسة في معادلة العرض والطلب فستظل التوقعات لارتفاع الأسعار متحفظة عند أقل من خمسين دولاراً للبرميل في المتوسط هذا العام .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"