ويظل اليورو رغم التحديات

00:21 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. أيمن علي

أكملت العملة الأوروبية الموحدة (اليورو) عقدها الثاني في الأول من هذا الشهر، وتدخل عقدها الثالث في ظروف اقتصاد عالمي يزيد من التحديات التي تواجه ليس فقط عملة أوروبا بل الاتحاد الأوروبي ذاته. وليس القصد هنا هو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) فبريطانيا اختارت من البداية ألا تنضم للعملة الموحدة، وإنما تحديات تفرضها مشاكل هيكلية في النظام المالي العالمي واختلالات في النظام النقدي للدول الأوروبية ذاتها تختلف حدتها من دولة إلى أخرى.

لم يقتصر الأمر على دول اليورو، ولا الاتحاد الأوروبي فحسب، بل كان التحسب سمة أساسية في بقية العالم سواء الدول التي تتعامل مع كتلة اليورو تجارياً واعتادت التعامل بعملات مختلفة من المارك الألماني إلى الفرنك الفرنسي والليرة الإيطالية، أو المستثمرين في سوق العملات الذين ينتظرون المضاربة على عملة جديدة وراءها كتلة اقتصادية كبيرة، أو بعض الدول التي تصورت أنه بالإمكان أن يأخذ اليورو قدراً معقولاً من حصة الدولار الأمريكي كعملة قياس عالمية.

وبعد عقدين من الزمن، يدخل اليورو عقده الثالث وقد تباينت نتائج توقعات الكثيرين خارج أوروبا وداخلها. وهناك من الاقتصاديين، وعتاة الساسة المؤيدين لمزيد من الوحدة الأوروبية، من يعتبرون مجرد بقاء العملة الموحدة إنجازاً في حد ذاته مع المشاكل التي واجهتها حتى قبل اعلانها في يناير 1999. وما يعزز التفاؤل باستمرار اليورو أن الأغلبية من سكان دول كتلة اليورو متحمسون للعملة الموحدة.

فمنذ عام 1999، ارتفع عدد دول التي تستخدم اليورو من 11 إلى 19، كما ارتفع حجم اقتصاد كتلة «دول اليورو» بأكثر من سبعين في المئة (11.2 تريليون يورو - 12.8 تريليون دولار) ليصبح ثاني اقتصاد بعد الاقتصاد الامريكي.

اعتبرت العملة الموحدة في مرحلة الاتفاق عليها نهاية القرن الماضي خطوة هامة على صعيد الاندماج بين دول الاتحاد الأوروبي، بتسهيل التعاملات عبر الحدود وتقليل كلفة العمل والتبادل التجاري للسلع والخدمات. كما أنها خطوة عززت توحيد السياسات النقدية لدول منطقة اليورو وجعلت البنك المركزي الأوروبي أكثر قدرة على تنظيم القطاع المصرفي والمالي في الدول التي شاركت في اليورو أو انضمت إليه بعد إطلاقه عندما توسع الاتحاد. ولعل أهم جانب في ذلك هو شروط عجز الميزانية التي يطبقها البنك المركزي الأوروبي بصرامة.

ومع صعود التيارات الشعبوية للحكم، كما في إيطاليا، زادت المشاكل مع بروكسل (الحكومة الايطالية الجديدة حاولت تجاوز نسبة عجز الميزانية التي يحددها المركزي الأوروبي). ونتيجة ذلك، تراجع التأييد الشعبي للعملة الموحدة في إيطاليا وإن ظل قويا بما يكفي لاستبعاد فكرة أن «الإيطاليين لا يريدون اليورو» إذ لا يزال أكثر من 60 في المئة من الايطاليين يؤيدون اليورو.

هناك أيضاً تأثير تصويت البريطانيين على الخروج من الاتحاد الأوروبي قبل أكثر من عامين. ورغم أن بريطانيا اختارت من البداية الاحتفاظ بعملتها (الجنيه الاسترليني) وعدم الانضمام لكتلة اليورو، إلا أن البريكست البريطاني أرسل موجات اهتزاز عبر دول الاتحاد كلها وأثر سلباً على العملة الأوروبية.يظل التأييد الشعبي للعملة الموحدة قوياً في أغلب دولة كتلة اليورو.لم يكن خط منحنى سعر صرف العملة الأوروبية الموحدة قريباً من المستقيم، وشهد تقلبات كبيرة. فمن سعر صرف عند 0.83 دولار لليورو عام 2000 وصل قبل الأزمة المالية العالمية في 2008 إلى 1.60 دولار ليتراجع منحنى الارتفاع حتى يقترب من سعر صرف يكاد يوازي بين اليورو والدولار.

وشهدت منطقة اليورو أزمات نتيجة التباينات في اقتصادات الدول الاعضاء، ففي 2009 بدأت أزمة ديون اليونان وأوشك البلد على الافلاس ما ضاعف من الضغط على اليورو الذي تأثر ايضاً بالأزمة المالية العالمية في ذلك الوقت نتيجة تباطؤ الاقتصادات الرئيسية الداعمة للعملة الموحدة، أي ألمانيا وفرنسا. وفي 2010 قادت ألمانيا جهود إنقاذ الاقتصاد اليوناني بحزمة قروض انقاذ مالية. لا يمكن القول إن تلك التحديات أمام العملة الأوروبية الموحدة انتهت، ولا أن المشاكل المتباينة في اقتصادات دول كتلة اليورو تم تجاوزها، إنما الأرجح أن أزمة اقتصادية عالمية جديدة لن تعني نهاية اليورو.

* كاتب صحفي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"