القلق من التباطؤ الصيني

01:36 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. عبد العظيم محمود حنفي *

وفقاً لبيانات صندوق النقد، فقد قادت الصين الاقتصاد العالمي في 2018، ومن المتوقع أن تفعل ذلك مجدداً في 2019، مسهمة بنسبة 27.2٪ من النمو العالمي، ومتفوقة بأكثر من 12.9٪ على الهند و12.3٪ على الولايات المتحدة. مع أن هذا قد يفاجئ البعض، لاسيما بعد النمو السريع لاقتصاد الولايات المتحدة، ووفق التحليلات الاقتصادية الغربية، فمن الواضح أن الصين هي السوق الأكثر تأثيرًا في العالم.

وفي الواقع، يبدو أن الاقتصاديين قد توصلوا إلى إجماع، أنه ما بين عامي 2026 و2030 سنشهد «مفاجأة» الهيمنة الصينية على اقتصاد الولايات المتحدة نفسه. ومع توقعات النمو بنسبة 6.1٪ لعامي 2019 و2020، تحافظ الصين على توقعات بنسبة 25٪ أعلى من توقعات الاقتصاد العالمي. ومع ذلك، فإن هذا يعني معدل نمو أقل مما كان عليه في السنوات الأخيرة. والأمر يتعلق بتباطؤ الاقتصاد الصيني، وكذلك بالحرب التجارية مع الولايات المتحدة، حيث قامت إدارة ترامب برفع نسبة الرسوم الجمركية المفروضة على المنتجات الصينية من 10% إلى 25%. وردت الصين برسوم على المنتجات الأمريكية، وهددت بإجراءات مماثلة لكل إجراء أمريكي. لذا فالآمال معلقة على نجاح المفاوضات التجارية وانتهاء الحرب بين واشنطن وبكين، إنجاز إذا فشل سيؤدي إلى تباطؤ الاقتصاد الصيني. أيضاً فإن الرئيس الأمريكي الذي يتطلع لفترة رئاسية ثانية في عام 2020 لن يكون في مأمن من تداعيات تلك الحرب التجارية وآثارها السلبية على الاقتصاد الأمريكي.

إضافة إلى كل ذلك، فإن الاقتصاد العالمي برمته سوف يتأثر سلباً. ولكن حتى لو نجح الرئيسان الأمريكي والصيني في التوصل لاتفاق تجاري فإن اختلافاتهما الأخرى ومساعيهما للهيمنة اقتصادياً وتجارياً وتقنياً وسياسياً ستستمر وتتواصل بأشكال متعددة ومختلفة، حيث لن تكون هناك حلول دائمة ونهائية وجذرية.

من وجهة نظر الصين، فإن التوتر الذي سيطر على البيئة الخارجية تفاقم بسبب تباطؤ النمو الداخلي. وهذا الأمر لا يرجع إلى الحرب التجارية فقط: فالصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة وصلت إلى مستويات قياسية. ففي عام 2018، بلغت صادرات الصين إلى الولايات المتحدة 447 مليار دولار في حين بلغت الصادرات الأمريكية إلى الصين في نفس العام 102 مليار دولار.

وصول معدل النمو في الصين إلى 6.6% في عام 2018 الأمر الذي يثير التساؤل: هل يمكن أن تتباهى دولة أخرى بهذا الرقم لمعدل النمو؟ المشكلة هي أنه الأسوأ بالنسبة للصين منذ عام 1990 والواقع أن هناك تغيرًا داخليًا في نموذج وعادات استهلاك الصينيين؛ ففي عام 2018 انخفضت مبيعات السيارات بنسبة 20% عن العام السابق (أول انخفاض منذ عام 1991)، وتراجع استخدام الهواتف الذكية والمنتجات الفاخرة. كذلك انخفض بناء المساكن، وتوقفت أعمال التشييد، وخصوصاً في المدن الصناعية، حيث انخفضت الرواتب، أو توقفت، وكذلك ساعات العمل الإضافية.

كما أظهرت المؤشرات الاقتصادية الصينية الرئيسية في شهر نوفمبر أبطأ توسع شهري في الناتج الصناعي منذ عام 2008.

تتزايد المخاوف العالمية من التباطؤ الصيني، وهذا ينبع من أنه لا يمكن لأية دولة أن تشغل الفراغ الذي ستتركه الصين في الاقتصاد العالمي. فقد تأثرت مبيعات شركة «أبل» تأثرًا سلبيًا بانخفاض مبيعاتها في الصين، كذلك سيشعر به المستهلكون الأمريكيون لو زادت تكلفة الواردات الصينية.

وأعلنت اليابان أنها سجلت أكبر عجز تجاري لها في خمس سنوات بسبب انخفاض صادراتها إلى الصين.

وترجع بعض التحليلات تضاؤل الزخم إلى تراجع استثمارات القطاع الخاص في الصين، وهو المحرك الرئيسي وراء التحول الاقتصادي منذ أن بدأ «دينج شياو بينج» عهد «الإصلاح والانفتاح».

جوهر مشكلة القطاع الخاص سياسية، فقد شجّع الرئيس الصيني شي جين بينج، نموذج رأسمالية الدولة الذي يعمل على تقليص مكاسب الإنتاج. ومن هنا ترى العديد من الدراسات الاقتصادية أنه يتعين على «بينج» أن يعيد تأكيد سيادة القانون وهيمنة قوى السوق على الأوامر الإدارية، وأن يثبت أن الشركات الخاصة على نفس القدر من الأهمية مثل الشركات المملوكة للدولة.

* أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"