أمريكا اللاتينية تتحرك من كوبا إلى البرازيل

04:39 صباحا
قراءة 4 دقائق
لويس حبيقة
هنالك موضوع مهم يميز القارة الأمريكية اللاتينية من المكسيك جنوبا وهو تحركها بشكل دائم مما يشير إلى حيوية كبيرة بين مواطنيها وحكامهما. فالحيوية ليست كلها إيجابية، أو في الطريق الصحيح، وإنما تحرك، وتغيير يعطي أملاً في أفق مستقبلي أفضل. في «الحركة بركة» كما نقول ضمن مجموعة أمثلتنا العربية. فدول أمريكا اللاتينية حققت في فترات مختلفة متتابعة، وعبر تقلبات كبيرة، نمواً مرتفعاً ثم ركوداً كبيراً عبر إنتاجية مرتفعة، ثم فساد كبير أدى إلى انهيار أكبر. وتتأثر أكثرية دول أمريكا اللاتينية بأسعار المواد الأولية المتقلبة من ذرة وزيوت ومعادن ونفط وسلع غذائية وغيرها. وتنحدر هذه الأسعار اليوم نتيجة ضعف الطلب، كما نتيجة زيادة العرض في كل الأسواق والمناطق. وعندما خف النمو الصيني تحديداً، انحدرت أسعار المواد الأولية ما سبب تعثراً كبيراً في اقتصادات البرازيل والبيرو والأرجنتين وبوليفيا وفنزويلا. وبالرغم من تنوع اقتصادات أمريكا اللاتينية مع الوقت، تبقى مرتبطة، عموماً، بأسعار المواد الأولية الأساسية. المكسيك فقط، لم تتأثر كغيرها لأنها بفضل اتفاقية «النافتا»، نوعت اقتصادها جيداً، ما يشير إلى الفوائد الكبرى للاتفاقيات التجارية.
في الحقيقة، أسوأ ما يميز اقتصادات أمريكا اللاتينية هه فجوتا الدخل والثروة الكبيرتان جداً. فالقارة الأمريكية اللاتينية هي المنطقة الأسوأ عالمياً من ناحية سوء توزع الدخل والثروة. ويمكن القول إن أوضاع ال 1% الأغنياء لا تشبه أبداً أوضاع ال99% غير الميسورين. ما الذي يميز هذه الاقتصادات عموماً؟ وما هي الحلول الممكنة للتطور والنمو؟

أولاً: تتعثر موازنات الدول الأمريكية اللاتينية مع تقلب أسعار المواد الأولية، ما يقيد إمكاناتها من ناحية الإنفاق العام عندما تحتاج إلى رفعه لمواجهة الأوضاع الاقتصادية الوطنية كالركود. وفي كولومبيا يبلغ العجز المالي 3% من الناتج المحلي، وهنالك أمل كبير بالمستقبل مبني على اتفاقية السلام الموقعة التي سمحت بإعطاء جائزة نوبل للسلام للرئيس الكولومبي. وفي الأرجنتين يبلغ العجز نحو 7% من الناتج، ولن تستطيع حكومة الرئيس ماكري إنقاذ المال من دون الاستثمارات التي من المتوقع أن تأتي. وفي البرازيل، يساوي العجز المالي 10% من الناتج.

ثانياً: من المفروض أن تحاول الدول الأمريكية اللاتينية تشجيع صادراتها عبر تنويع إنتاجها وإيجاد أسواق جديدة لها. حسابات الميزان الجاري عاجزة في مختلف الدول أي 6,5% من الناتج في كولومبيا، 3% في الأرجنتين و3% في المكسيك. ويمكن أن تتكل أكثر على السياحة، وهي قارة جميلة جداً وتتمتع بكل الغنى السياحي، البشري والمادي.
ثالثاً: إنقاذ القارة يعتمد على تطوير اقتصاداتها وتنويعها، إذ إن الاتكال على المواد الأولية خطر، ومضر. هنالك ضرورة لتحسين التعليم والتدريب، كما لصيانة وتجديد البنية التحتية. ولا يمكن رفع النمو الاقتصادي من دون رفع الإنتاجية المرتكزة على التجدد، التعليم، الفعالية القطاعية، والبنية التحتية. ولن تتحقق هذه الإنجازات من دون تعاون القطاعين العام والخاص.
هنالك العديد من المواضيع التي تميز الدول الأمريكية اللاتينية، ولا بد من ذكر خصائص أربع منها لاختلاف الوضع والعقيدة والمسيرة:
أولاً: سقط الاقتصاد البرازيلي. منذ سنة 2013، تضاعفت نسبة البطالة إلى 11%، وانخفض الناتج بنسبة 3,8% سنة 2015. وخسرت شركة «بيتروبراس» الشهيرة 85% من قيمتها منذ سنة 2008 ليس بسبب أسعار النفط فقط، وإنما بسبب الفساد الذي تورط فيه أهم السياسيين. هنالك مشكلات صحية أتت من انتشار فيروس «زيكا» المخيف، وتأثيره في الإنتاجية والتكلفة، وبالتالي في الموازنة. ونصف الشعب لا يحصل على التسهيلات الصحية المنزلية، وهنالك 35 مليون شخص لا تصلهم المياه الصالحة إلى المنزل. وفي 2014، حصلت 60 ألف جريمة قتل، قسم منها للسرقة. ولا شك في أن الألعاب الأولمبية ساهمت في الوقت نفسه في تعزيز بعض القطاعات.
ثانياً: نجح الرئيس ماكري في إعادة بعض ثقة المستثمرين إلى بلاده وبدأت المؤشرات الإيجابية تظهر إلى العلن، منها تحسن أوضاع الميزان التجاري، وبقاء الدين العام في حدود مقبولة، أي 50% من الناتج. وارتفع الاحتياطي النقدي الأجنبي إلى 33 مليار دولار في 2016 من 25 مليار في 2015. وفي 2016 سددت الأرجنتين 9,3 مليار دولار إلى صندوق النقد الدولي.
ثالثاً: لا شك في أن فنزويلا تبقى مشكلة المشكلات في أمريكا اللاتينية. الدولة الغنية جداً المعتمدة بنسبة 95% على صادرات النفط تعاني الفقر والهجرة والسقوط الكبير. هنالك مشكلة غذاء، أو توافر السلع في المحال التجارية، وهنالك هجرة مهينة إلى الدول المجاورة التي أقفلت حدودها. هنالك مواطنون جائعون يغادرون بالقوارب الصغيرة هرباً من الخوف، والظلم، والذل. المشكلة ليست نفطية، ولا مشكلة أسعار، إنما مشكلة إدارة للدولة وانتشار الفساد.
رابعاً: أخيراً وليس آخراً، لا بد من ذكر الموضوع الكوبي بعد وفاة القائد فيدل كاسترو. عانت كوبا كثيراً بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وبسبب سقوط فنزويلا، ومن المتوقع أن تعاني أيضاً مع تسلم الرئيس ترامب الرئاسة. ولا شك في أنها آخر الدول التي لم تأت إليها العولمة، أو لم يكتشفها كلياً بعد قطاع الأعمال الدولي. كانت كوبا من الدول المؤسسة لصندوق النقد الدولي في 1946، وخرجت منه في 1964. من الممكن أن تعود إليه اليوم إذا بقيت أمريكا متعاونة. هنالك بداية لتحرك القطاع الخاص عبر الشركات الجديدة الصغيرة التي تشغل 11% من اليد العاملة مقارنة ب 3% في 2010. هنالك بداية جدية أتت من الانفتاح الأمريكي عليها بعد زيارة الرئيس أوباما، شرط ألا يحدث العكس مع الرئيس الجديد ترامب. ووضعت إدارة الرئيس كاسترو في 2014 قانوناً جديداً للاستثمارات يشجعها ويسهلها ويخفض الضرائب الموضوعة عليها. ومن الإصلاحات إدخال التحكيم لفض النزاعات، لأن المحاكم الكوبية هي في وضع صعب، بل يرثى له. وترغب كوبا في جذب بين 2 و2,5 مليار دولار سنوياً من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، فتحقق عندها نسبة نمو سنوية تقدر ب7% وهذا طموح لكنه ممكن. ولا بد من القضاء على النقد المزدوج، وإبعاد القطاع العام عن أعمال القطاع الخاص.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"